ظل قطاع النقل البحري خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من أقل القطاعات الاقتصادية في العالم من حيث التطور التكنولوجي، فقد كانت عمليات تداول البضائع من وإلى السفينة تتم بطريقة يدوية بطيئة؛ بما تضطر معه السفينة إلى بقاء مدد طويلة بكل ميناء من أجل شحن وتفريغ شحناتها من البضائع، فقد كانت تقضي في المتوسط حوالي 60% من وقت رحلتها بالموانئ و40% في الإبحار، ولذلك لم يكن ممكنًا استخدام سفن أكبر ذات سرعات أكثر وماكينات أقوى للاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير، وتسبب ذلك في ضعف إنتاجية الأسطول العالمي، ولقد أدت العولمة إلى تقسيم جديد للعمل الدولي، فالعملية الإنتاجية التي كانت تتم تحت سقف مصنع واحد أصبحت الآن مقسمة بين دول العالم، وأصبح العالم مصنعًا كونيًا؛ وهذا أدى إلى تعاظم دور اللوجستيات، حيث إنها تمثل جزءًا يُعتد به من التكلفة النهائية للسلعة.
ويسمح النظام اللوجستي الكفء للتجارة العالمية بأن تستفيد من حقيقة أن الأرض والناس الّذين يشغلونها غير متساوين في القدرة الإنتاجية؛ فالأنشطة اللوجستية تمثل الجسر بين عمليات الإنتاج والاستهلاك المنفصلة بحكم المسافة والزمن.
فهناك علاقة إيجابية واضحة بين الموانئ البحرية وتضاعف معدلات نمو التجارة الدولية وصناعة اللوجستيات فائقة المستوى، وهذا المزيج الفعال هو المسؤول الأساسي عن نمو الشريحة التي تنالها الموانئ الحديثة من حركة التجارة الدولية.
لذا يعد تطوير الموانئ التجارية الكويتية أحد سبل ركائز التنمية لمشروع “الكويت الجديدة 2035″، والمساهمة في تحقيق إيرادات خارج نطاق الإيرادات النفطية، التي تساهم بنسبة 92% من إيرادات الميزانية العامة للدولة.
لا تعرف صناعة اللوجستيات التوطن الجغرافي أو الإقليمي لأنها صناعة غير قومية أو فوق قطرية، وتتميز هذه الصناعة بعدة خصائص، من أهمها:
ومن ذلك يتضح أن الخدمات اللوجستية ليست من قبيل الأنشطة الصناعية الاقتصادية التي تجيز التفاوت في مستويات الأداء على المستوى العالمي، ولا تسمح به في أي موقع، فمستوى الأداء اللوجستي في الصين لا بدَّ أن يتوازى ويتكافأ زمنًا وأداء مع الأداء اللوجستي في الولايات المتحدة وكندا وأميركا الجنوبية، وهذا ما يعرف بمتوازيات الجودة وتزامنات الإنجاز وتقارب معدلات التنفيذ، ومن هنا تستمد هذه الصناعة الكوكبية خصائص العولمة([1]).
ويعد القرن الحادي والعشرين هو قرن ازدهار صناعة اللوجستيات التي تُشكل العمود الفقري للتجارة العالمية (Global Trade)، والتي تقتضي نهوض شركات عالمية (Global Companies) لتقديم تشكيلات متنوعة ومتكاملة من الخدمات، وأصبح الاتجاه السائد الآن لدى الشركات العالمية هو الحصول على مدخلات العملية الإنتاجية من الأسواق الخارجية بأقل تكلفة، وبتسهيلات أفضل، وبقيود أبسط وبالجودة نفسها، مما يعمل على تخفيض التكلفة النهائية للمنتج، وهذا المفهوم أصبح يطلق عليه “Global Outsourcing”، ولكي يحقق هذا المفهوم ثماره فإن ذلك يتطلب وجود سلسلة إمداد عالمية “محكمة” (Global Supply Chain) تهدف إلى:
ولذلك أصبح التنافس بين الشركات العالمية في مهارة تطبيق المفاهيم اللوجستية، حتى أصبح تعبير (Re-Thinking Logistics) هو المفهوم السائد في تعظيم المكاسب العالمية([2]).
تعتبر اللوجستيات موجودة في حياتنا منذ القدم، وأخذت كلمة(Logistics) من الكلمة الإغريقية (Logistikos)، والتي تعني الحساب والاستنتاج من المنظور الرياضي، وكان أول ظهور لتلك الكلمة في فرنسا عام 1670، حيث اقترح أحد مستشاري الملك لويس الرابع عشر حلًا للمشاكل الإدارية المتزايدة التي ظهرت للجيش في هذه الفترة، وكان الاقتراح بإنشاء رتبة جديدة تسمى “مارشال جنرال دو لوجي” Marechal General De” Logis”، وكانت مسؤولياته عبارة عن التخطيط واختيار المواقع وتنظيم التنقلات والإمداد([3]).
أما في القرن 19 فقد بدأت كلمة(Logistics) في الظهور مرة أخرى وذلك في عام 1836، حينما قسّم الجيش إلى خمسة قطاعات: الاستراتيجي، التكتيكي، اللوجستي (إدارة الإمدادات والتموين)، الهندسي، التكتيكات الصغيرة. وفي تلك الفترة كان تعريف اللوجستيات هو فن تحريك الجيوش. أما في القرن 20 بدأ استخدام مفهوم اللوجستيات في الجيش الفرنسي عام 1905بهدف تأمين وصول المؤن والذخائر في الوقت الملائم وبأمثل طريقة ممكنة، ثم استخدم بكثافة إبان الحرب العالمية الثانية، حيث كان أحد عوامل انتصار جيوش الحلفاء، وظهر بخلاف ذلك في حرب 67 من خلال عمليات انسحاب بعض الوحدات العسكرية للجيش المصري بطريقة غير منظمة اتسمت بالفوضى والارتباك ومخالفة جميع الأصول والمبادئ التكتيكية السليمة، على عكس حرب أكتوبر المجيدة، ففي خلال 18ساعة فقط عبر القناة مائة ألف ضابط وجندي، و800 دبابة، وما يزيد على 13000مركبة مختلفة الأنواع، وهو رقم قياسي لم تحققه أي عملية عبور في تاريخ البشرية([4]).
وعرّف مجلس إدارة الأعمال اللوجستية بالولايات المتحدة الأميركية سنة 1991 الأعمال اللوجستية بأنها: “تلك العمليات الخاصة بتخطيط وتنفيذ ورقابة التدفق والتخزين الكفء والفعال للمواد الخام والسلع النهائية والمعلومات ذات العلاقة، وذلك من مكان الإنتاج إلى مكان الاستهلاك بغرض تحقيق متطلبات العميل“([5]).
كذلك تعني اللوجستيات بأنها الطلب المشتق من عولمة جانبي العرض والطلب بما يخلق سلاسل توزيع عالمية شديدة التعقيد، وبما يتطلب خبرات لوجستية متخصصة لتمكين المنتجين من تغطية أسواقهم بكفاءة وانتظام بأقل تكاليف.
وهناك تعريف آخر للوجستيات بأنها فن إحكام السيطرة على سلاسل الإمداد التي تغطي العالم عن طريق تجميع إدارة أنشطة النقل والتخزين والتوزيع وتكنولوجيا المعلومات تحت سيطرة واحدة، فهي تعمل على إزالة الاختناقات في مختلف أجزاء السلسلة، وتقليل الدورة المستندية والمعوقات البيروقراطية، واستخدام أنسب المعدات وإعادة توزيعها، بما يضمن سرعة تدفق الإمداد بأرخص تكلفة وأعلى كفاءة.
نستنتج من ذلك أن هناك ثلاثة أنواع من سلاسل الإمداد، وهي:
استخدم مصطلح “المراكز اللوجستية” لوصف المراكز التي تؤدي مجموعة واسعة من الوظائف اللوجستية والعمليات التجارية، فهو مصطلح يجمع “الخدمات اللوجستية” التي تشير إلى جميع العمليات المطلوبة لتقديم المنتجات أو الخدمات باستثناء إنتاج السلع أو أداء الخدمات([7]).
كذلك يُعبر مفهوم المراكز اللوجستية عن العديد من الأنشطة التي تخلق قيمة مضافة، وتتوقف هذه الأنشطة على حجم الميناء، وموقعه الجغرافي من خريطة التجارة العالمية، ومدى انحرافه عن مسار خطوط الملاحة العالمية، كذلك تتوقف أنشطة المركز اللوجستي على العلاقة بين الميناء والظهير الاقتصادي للميناء، فهناك موانئ تستند أنشطتها أساسًا حول أنشطة الخدمات اللوجستية ذات القيمة المضافة المنخفضة، مثل: الشحن، والتفريغ والتخزين والتوزيع، كما هو الحال مع دبلن بإيرلندا، بدلًا من ذلك قد تكون أنشطة المركز اللوجستي مرتبطة بأنشطة تعظيم القيمة المضافة (تجهيز وتعبئة وتغليف وما إلى ذلك)، كما هو الحال في موانئ، مثل: أنتويرب أو أوساكا؛ معنى ذلك أن الأنشطة اللوجستية تتدرج بمستوى تدرج كفاءة تشغيل الميناء، فتبدأ بأنشطة القيمة المضافة المنخفضة، مثل: الشحن والتفريغ، وصولًا إلى الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية، مثل: الاستشارات القانونية والفنية، وتتدرج مستويات هذه الأنشطة بتوافر خدمات النقل الجيدة، وأسعار جذابة للأرض والعمالة والطاقة([8]).
من ذلك تُعرّف المراكز اللوجستية بأنها مراكز تقع في منطقة محددة تنفذ فيها جميع الأنشطة المتعلقة بالنقل اللوجستي وتوزيع السلع، سواء على مستوى العبور الوطني أو الدولي، من قبل مختلف المشغلين على أساس تجاري، ويمكن للمشغلين إما أن يكونوا مالكين أو مستأجرين للمباني والمرافق: المستودعات، ومراكز التوزيع، ومناطق التخزين، وخدمات الشاحنات، وما إلى ذلك([9]).
ويوضح الشكل البياني التالي صورة مصغرة لدورة حياة القيمة المضافة للخدمات اللوجستية المقدمة في ظهير الميناء.
دورة حياة القيمة المضافة للخدمات اللوجستية المقدمة في ظهير الميناء([10])
من الشكل السابق تبدأ دورة الأعمال من سلسلة إمداد المواد الخام من المورد إلى المصنع، ثم القيام بعمليات التصنيع التحويلية إلى منطقة التخزين المؤقت (المركز اللوجستي)، التي يقام بها عمليات القيمة المضافة من تجميع ووضع الملصقات وتغليف وتعبئة، ثم سلسلة إمداد التي تعمل على نقل المنتجات تامة الصنع إلى تجارة الجملة، ثم إلى تجار التجزئة، ثم إلى يد المستهلك، ثم عملية إعادة التدوير.
لإنشاء مركز لوجستي ناجح اقترح “تشي وتشو” عام 2004م خارطة طريق من ثلاث خطوات لكوريا الجنوبية، وهي:
وقد حدد “جيانفا شين” العوامل المساهمة التي تجعل من هونغ كونغ مركزًا لوجستيًا ناجحًا ومركزًا للتجارة والخدمات اللوجستية، وهي: الموقع الاستراتيجي، وضع ميناء حر مع اقتصاد أكثر حرية، دور محوري بين البر الرئيسي للصين والعالم، نظام ضريبي منخفض وبسيط، عدم التدخل الحكومي، بنية تحتية ممتازة تجمع بين وسائل النقل المختلفة. كما حدد “تونغزون” في دراسته عن سنغافورة بعض العوامل الحيوية والضرورية لكي يصبح المركز مركزًا لوجستيًا ناجحًا؛ أولًا: ينبغي أن يكون ذا موقع استراتيجي على طول خطوط النقل البحري والجوي الرئيسية، وثانيًا أن يكون ميناؤها نقطة محورية لدى خطوط الشحن، وله ارتباط جيد بين الموانئ الأخرى في جميع أنحاء العالم، وثالثًا ينبغي أن يكون لديه قدرات جيدة في التخزين والخدمات ذات الصلة، بالإضافة إلى هذه المرافق يجب أن تكون هناك بنية تحتية كافية وفعالة للغاية([11]).
ومن ذلك نستخلص المعايير الرئيسية المحددة لإنشاء مركز لوجستي متكامل هي:
ونتيجة لازدياد حدة المنافسة العالمية واتساع مفهوم اللوجستيك أصبح للمركز اللوجستي تأثير فعال في نشاط وازدهار الميناء، كذلك ازدهار النقل المشترك (بحري- بري)، مما استوجب وجود مطار لخدمة المركز اللوجستي، كما أصبح للمركز اللوجستي أثر كبير في تطوير شبكة الطرق التي تربط المدن والدول المحيطة بالمركز([12]).
هناك صلة جوهرية بين الأداء اللوجستي لبلد ما وإنتاجيته وقدرته على المنافسة ونموه الاقتصادي المستدام على الصعيدين الوطني والإقليمي، فمفهوم اللوجستيات يرتبط بعناصر التقدم الاقتصادي من خلال قدرتها على تخفيض تكاليف الإنتاج عن طريق تخفيض تكاليف النقل والتخزين والتوزيع، وتحسين المنتج المقدم للعميل، ولذا يؤدي ذلك إلى تنافسية الصادرات وتخفيض أسعار الواردات؛ ومن ثمَّ تحقيق الهدف الأسمى من إدارة اللوجستيات وهو إرضاء العميل، وتبين الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن نحو 40% (في المتوسط) من تكلفة إنتاج أي سلعة في الدول المتقدمة يمكن ردها إلى الأنشطة اللوجستية([13]).
ففي أستراليا يتيح النقل اللوجستي منخفض التكلفة للمصدرين الأستراليين الوصول بشكل مريح إلى الأسواق الرئيسية، ويساعد المصنعين الأستراليين على الحفاظ على القدرة التنافسية من حيث التكلفة في مواجهة الواردات الرخيصة، ويُمكن الشركات داخل أستراليا من التنافس على مساحة أكبر، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار واختيار أكبر للمستهلكين، ويقدُر أن تحسين 1٪ في كفاءة هذه الصناعة يولد ملياري دولار من المكاسب للاقتصاد كل عام. في حين أن التكاليف اللوجستية المرتفعة نسبيًا تؤثر على الهيكل الصناعي والتوزيع المكاني لاقتصاد الدولة، وتقيد إلى حد كبير التنمية المستدامة به([14]).
هناك العديد من الروابط -المباشرة وغير المباشرة- بين النقل وقطاع الخدمات اللوجستية، وينعكس هذا في حقيقة أن أكثر من 80٪ من البلدان المشاركين في الدراسة الاستقصائية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة التجارة العالمية بشأن المعونة من أجل تسهيل التجارة، قد أجمعت على أن النقل مصدر مهم جدًا من مصادر النمو الاقتصادي، ولا يوجد أي قطاع آخر يعترف به بهذا الإجماع؛ فهو مسؤول بنسبة 100% في زيادة الصادرات والواردات، كذلك في تنوع الصادرات، وزيادة معدل النمو الاقتصادي، وكذلك في تقليل البطالة وتخفيف حده الفقر([15]).
وترجع أهمية استخدام النقل الدولي متعدد الوسائط إلى مساهمته في تخفيض التكاليف اللوجستية، باعتبار أنه يساعد على تدفق التجارة من مركز العرض إلى مركز الطلب في تدفق واحد مستمر دون عوائق عن طريق استخدام سلسلة متصلة الحلقات ما بين وسائط النقل: البحرية، والبرية، والجوية، النهرية، التي تتفاعل وتتكامل في اتساق مكاني وزمني لا تعوقه المسافات الجغرافية أو الفواصل الزمنية.
كذلك يعد النقل الدولي متعدد الوسائط (Multimodal Transport) أحد المقومات الأساسية لمفهوم الإدارة اللوجستية الحديثة، باعتباره النشاط الذي يربط بين المشروع الإنتاجي والأسواق التي يتعامل بها (أسواق المواد الخام، وأسواق السلعة أو الخدمة التي ينتجها المشروع)، وباستثناء تكلفة المواد الخام، فإن النقل يحوز على نسبة تصل إلى حوالي 50% من إجمالي تكلفة الأنشطة اللوجستية، ويستند نظام النقل متعدد الوسائط من الناحية الاقتصادية إلى دعامتين رئيسيتين، هما:
– تطبيق قواعد “لوجستيات الإدارة” –استخدام الحاويات في النقل
وإذا اعتبرنا أن النقل البحري هو قاسم مشترك في معظم تدفقات بضائع التجارة الدولية من منطلقها إلى مقاصدها النهائية، إلى جانب خلق حلقات نقل متكاملة للبضائع من مصادرها بنظام النقل متعدد الوسائط، نجد أن هناك نوعين من التزاوج بين الوسائل للحصول على حلقة نقل متعدد الوسائط، هما:
ولقد فقد النقل البحري استقلاله كنشاط منفصل، وأصبح يمثل حلقة في سلسلة متكاملة للنقل متعدد الوسائط، ثم في مرحلة أخرى تالية أصبح النقل متعدد الوسائط ذاته جزءًا من النشاط المتكامل للخدمات اللوجستية العالمية المتكاملة ((Integrated Global Logistics Services Provider.
ولقد وضع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) قواعد وأسسًا لهذا النظام من خلال اتفاقية الأمم المتحدة للنقل الدولي متعدد الوسائط عام 1980، وتم الاعتراف بها في يناير 1992 على “أنها عمليات نقل للبضائع بواسطة وسيلتين على الأقل من وسائل النقل عبر الحدود الدولية، مع نقل البضائع بموجب عقد نقل واحد يتضمن مسؤولية واحدة للناقل“([17]).
وهناك عدد من العناصر التي يلزم توافرها لكي تتم عملية نقل متعدد الوسائط بكفاءة عالية، وهذه العناصر تتمثل في تطوير المقاييس العالمية للحاويات، والتسهيلات اللازمة لاستقبالها، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية لتنظيم حركة البضائع عبر الحدود الدولية، والتطورات التي تحدث في وسائل الاتصال، وربطها بنظام متطور ومتكامل لتبادل المعلومات، والإجراءات الجمركية والترتيبات الإدارية وسرعة عمليات استخراج المستندات اللازمة، وكفاءة شبكات النقل الداخلي وكفاءة تجهيزاتها([18]).
ويتأثر النقل الدولي متعدد الوسائط بالتكنولوجيا المستخدمة، وذلك من ناحيتين:
تأتي أهمية النقل متعدد الوسائط من المزايا المتعددة التي تعود على كل من صاحب البضاعة ( (Shipper والناقل Carrier)) والاقتصاد القومي. فاستخدام أكثر من وسيلة من وسائل النقل في صورة متكاملة في نقل البضائع يؤدى حتمًا إلى الاستفادة من المزايا التي تتمتع بها كل وسيلة من حيث التكلفة والسرعة والأمان؛ ومن ثم فإن النتيجة النهائية هي الحصول على خدمة نقل بتكلفة أقل وبجودة أعلى مع الاستخدام الأمثل لوسائل النقل مما يؤثر بالإيجاب على الاقتصاد القومي، فيمكن لزيادة تكاليف النقل بنسبة 10% أن تقلل من حجم التجارة أكثر من 20%([19])، وتأتي من ضمن هذه المزايا الأخرى التالي:
ويمكن القول إن نقل البضائع يتم عن طريق الوسائل الخمس المعروفة في النقل، وهي: السكك الحديدية، والطرق (عربات نقل البضائع)، والنقل المائي، والنقل الجوي، وخطوط الأنابيب (النقل بالأنابيب). وقد يتم نقل البضائع من مكان إلى آخر اعتمادًا على إحدى هذه الوسائل فقط، أو باستخدام أكثر من وسيلة واحدة لنقل نفس السلعة. ويكون الاختيار بين الوسائل المختلفة معتمدًا على مجموعة من المعايير، أهمها عنصر التكلفة والوقت الذي تستغرقه الوسيلة لنقل السلعة، وكذلك التلف أو الخسارة التي يمكن أن تحدث أثناء عملية النقل.
كذلك يوضح الجدول التالي الخصائص المختلفة لوسائل النقل من حيث التكلفة وخصائص التشغيل في مجال نقل البضائع.
الخصائص المختلفة لوسائل النقل([22])
ومن الجدول السابق يتضح أن النقل المائي هو أقل وسائل النقل تكلفة على الإطلاق وأكثرها كفاءة في استخدام الطاقة، أما النقل الجوي فهو أقل وسائل النقل استهلاكًا للوقت، حيث السرعة الفائقة في النقل، وكذلك فهو أفضل الوسائل على الإطلاق من حيث التغير في زمن النقل للبضائع. أما من حيث التلف والفقد للبضائع أثناء النقل، فإن النقل بالأنابيب هو أفضل وسائل النقل.
لذلك يمكننا القول إن خصائص البضائع المنقولة وقيمتها هما اللذان يحددان نوعية وسيلة النقل المجدي اقتصاديًا لنقل هذه البضائع، وأن الكفاءة اللوجستية تتحقق من خلال تحسين كفاءة كل وسيلة من وسائل النقل والتنسيق والتبادل اليسير لوسائل النقل المختلفة.
كذلك يتضح أن أهم شرط لتحقيق كفاءة النقل متعدد الوسائط هو إحكام التنسيق بين جميع الأطراف المشاركة في عملية النقل بشكل مباشر أو غير مباشر، وإخضاعهم جميعًا لنظام واحد يضمن سرعة انسياب وتدفق حركة الحاويات على طول الطريق من مصدر بدء الرحلة إلى نقطة نهايتها، فرفع كفاءة كل حلقة من حلقات التي يتكون منها سلسلة النقل يؤدي في المجمل إلى انخفاض التكلفة الكلية لنقل البضائع، فعندما يزداد حجم السفن تقل تكلفة الطن للبضائع المنقولة (اقتصاديات الحجم) إلا أن كلفة زمن بقاء السفينة بالموانئ تزداد إذا لم تقدم لها الموانئ التسهيلات التي تتماشى مع حجمها([23]).
بالرغم من الفوائد الاقتصادية والمالية التي يحققها نظام النقل الدولي متعدد الوسائط إلا أن معظم الدول النامية والدول العربية لم تطبق هذا المفهوم، وما زالت عملية نقل التجارة الخارجية في بعض الدول تتم في ظل ترتيبات النقل الأحادي التي يؤديها عدد من الناقلين بسبب العديد من المشاكل التي تحد من إمكانية تطوير هذا النظام، ومنها الآتي:
ولا تزال تكاليف النقل في إفريقيا أعلى التكاليف في العالم. وتمثل تكاليف الشحن للبلدان الإفريقية نسبة أعلى من مجموع قيمة الواردات من المناطق الأخرى، وتشير البيانات إلى أن تكلفة الشحن إلى إفريقيا تفوق تكلفة الشحن إلى البلدان المتقدمة بنسبة تبلغ في المتوسط 10.6% من سعر السلع النهائية لإفريقيا، مقارنة بنسبة 6.4% في المتوسط للبلدان المتقدمة([25]).
يعتبر قطار ( (Double Containersأهم التطبيقات الدولية لأنظمة النقل الدولي متعدد الوسائط، فمعظم التجارة المنقولة بحرًا من الشرق الأقصى إلى أميركا الشمالية وأوروبا تتخذ الطريق عبر قناة بنما، فمع تطور النقل الدولي متعدد الوسائط وظهور فكرة الجسور البريةBridge) Land )، أخذ الجزء الأكبر من هذه التجارة يتجه إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، ويستعمل الجسر البري بواسطة القطار الذي يحمل طبقتين من الحاويات(Double Containers) إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية، محققة المنفعة الزمنية والمكانية لمنتجاتها، وذلك قبل التوسعات الأخيرة بقناة بنما، كذلك الحال في المشروع المزمع إقامته في إسرائيل بإنشاء خط سكك حديدية يسمح بمرور البضائع من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، موفرًا بذلك طريقًا بديلًا لقناة السويس.
تعد الموانئ البحرية حلقة استراتيجية بين النقل البري والبحري لتسهيل تدفق البضائع على الساحة الدولية كجزء من سلاسل الإمداد، ولا يمكن للتجارة العالمية أن تقوم بدون وجود هذه الموانئ؛ حيث يعد الميناء جزءًا من مراكز النقل (الشحن، التفريغ، الترانزيت، التخزين)، كما يثمل أيضًا مركزًا من مراكز التوزيع، فتتعامل الموانئ مع 80% من التجارة العالمية من حيث الحجم، وأكثر من 70% من حيث القيمة؛ لذلك تشهد صناعة النقل البحري منذ بداية الستينيات سلسلة من التطورات السريعة والمتلاحقة، سواء بالنسبة للسفينة أو الميناء، وقد كانت ثورة التحوية (Containerization Revolution)بمثابة الشرارة الأولى التي فجرت هذه السلسلة من التطور، حيث يعول عليها وعلى المفاهيم اللوجستية في تطور مفهوم النقل بتجاوز ذلك المفهوم المبسط من مجرد نقل البضائع “من ميناء إلى ميناء”(Port to Port) ، إلى عمليات متكاملة “من الباب إلى الباب” ((Door to Door([26]).
وقد حدد أحد المراجع الحديثة في النقل البحري العوامل الرئيسية ذات القدرة على تغيير شكل الميناء، وهي كالتالي([27]):
ينبع النجاح التجاري للميناء من الإنتاجية العالية في خدمة مناولة البضائع التقليدية، ومن خدمة القيمة المضافة، أو مزج الاثنين معًا، وتأتي المزايا الإنتاجية أساسًا من وفورات الحجم؛ مما يشير إلى أن الموانئ الأكثر إنتاجية ستكون تلك المجهزة للتعامل مع أحجام البضائع الكبيرة أو خفض تكاليف الوحدات بشكل كبير من خلال كفاءة الإدارة.
فعلى الرغم من أن التكنولوجيا الجديدة خلال فترة السبعينيات قد وفرت أحيانًا نافذة في تحسين الإنتاجية، إلا أنه في كثير من الأحيان تكون التكنولوجيا هي نفسها المتاحة للمنافسين. ولم يعد من الممكن التنافس بفاعلية على أساس القواعد الأساسية؛ ومن ثمَّ هناك حاجة للموانئ للبحث عن وسائل جديدة للحصول على ميزة تنافسية.
فيما شهدت أواخر الثمانينات ظهور تغييرات كبيرة في توفير مجموعة أكبر من الخدمات، ويعد توفير خدمات ذات قيمة مضافة وسيلة قوية لبناء ميزة تنافسية مستدامة، فالزبائن يميلون إلى النظر في الخدمات اللوجستية ذات القيمة المضافة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من سلسلة التوريد الخاصة بهم. ونتيجة لذلك يجب على الموانئ محاولة تلبية هذه الاحتياجات، وتقديم خدمات متميزة، ويشكل ذلك تحديًا خاصًا لإدارة الموانئ(.([28]
وفي استطلاع للبنك الدولي شمل 800 من مديري اللوجستيات حول العالم أشارت نتائجه إلى أن تسهيل التجارة والنقل لا يعتمد على العناصر التقليدية فقط، مثل: تكاليف الميناء، وكفاءة الجمارك في الإفراج عن البضائع، بل إن منظومة التجارة الحديثة أضافت إلى هذه العناصر التقليدية عنصرًا آخر جديدًا وهو الأنشطة اللوجستية في الميناء إلى جانب الأداء اللوجستي، ومن الأنشطة اللوجستية الهامة توفير وسائل النقل التي تربط البحر بالظهير الخلفي للميناء، وتجنب الزحام داخل الموانئ ذاتها عندما تتكدس الشاحنات في طريق معين داخل الميناء، وقد قضت بعض سلطات الموانئ البحرية العالمية على هذه الظاهرة من خلال تقسيم الطرق داخل الميناء البحري تقسيمًا زمنيًا بتحديد مدة زمنية لكل شركة، بحيث يمكنها أن تستخدم الطريق خلالها، وهذا الأسلوب متعارف عليه في المطارات الكبرى([29]).
وأصبح المركز اللوجستي أحد المكونات الرئيسية في الجيل الثالث من الموانئ. فمن خلال مفاهيم الجيل الثالث للموانئ تم إدماج ومزج جميع الملامح الرئيسية في جميع أعمال وأنشطة الميناء، سواء التقليدية منها أو الصناعية أو البيئية أو الإدارية أو التجارية، كما أصبح العمل كمركز لوجستي من المهام الرئيسية للميناء؛ بمعنى إلغاء مفهوم المخازن لكثير من الشركات، مع إدخال مفهوم القيمة المضافة لما لها من تأثير على تعظيم إنتاجية الموانئ وتقليل زمن بقاء السفن نتيجة لاختزال الوقت الذي تستغرقه عمليات الشحن والتفريغ؛ مما يؤدي إلى توفير فرص عمل وإيجاد مصادر دخل إضافية للدولة. ولا شك أن هذا المفهوم له متطلباته الأساسية والتي بدونها لا يمكن إدخال هذا النشاط. والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
مثلما تستغل شركات موانئ دبي الفرص وبالأخص في قارة إفريقيا بامتلاكها حقوق الامتياز للعديد من الموانئ المحورية المحيطة بالقارة، مثل: ميناء العين السخنة في الشمال الشرقي من القارة، وميناء دوراليه (جيبوتي) في الجنوب، وميناء مابوتو (موزمبيق) الساحل الجنوب الشرقي لإفريقيا، وميناء داكار (السنغال) غرب إفريقيا.
إن التطور في مفهوم إدارة الموانئ والتعامل معها على أساس أنها وحدة إنتاجية اقتصادية هو أهم ما تميزت به موانئ الجيل الثالث، وهو ما أخذت به كثير من الدول، حيث صارت تلك الموانئ مصدرًا أساسيًا من مصادر الدخل العام للدولة، وأصبح من المألوف أن يكون عائد الأنشطة المصاحبة لأعمال الميناء أضعاف ما تحققه الخدمات التقليدية لأنشطة الميناء، حيث وصلت نسبة العائد بينهما 20:1 لصالح الأنشطة المصاحبة([31]).
كذلك هناك ما يسمى بالجيل الرابع والخامس للموانئ، وهما عبارة عن منصات للخدمات اللوجستية مع أنظمة الأمان والاتصالات على أعلى مستوى تكنولوجي، وتسمى أيضًا منافذ الشبكة، فهي قادرة على الاندماج في شبكة النقل المتعددة الوسائط، ولديها استراتيجية للنمو والتوسع مع الموانئ الأخرى التي تتشابه معها بهدف تدويل وتنويع نشاطها، كذلك بغرض التكامل مع السلاسل اللوجستية للنقل الدولي مع المشغلين الآخرين في العديد من الموانئ القريبة جغرافيًا، كذلك الاهتمام بالبيئة وقضايا التلوث واستعمال تطبيقات التكنولوجية الحديثة في التشغيل وزيادة التركيز على نشاط الحاويات([32]).
تواجه الموانئ المحورية تغيرات جوهرية في الدور الذي تؤديه، فقد كانت تعتمد اعتمادًا رئيسيًا على موقعها الجغرافي بالنسبة لمنطقة الظهير الذي تخدمه، ولذلك كانت في موقع يكاد يكون شبه احتكاري، واليوم فإن الموانئ تتعرض لمنافسة متزايدة نتيجة التغيرات التكنولوجية، ومحاولة كل ميناء جذب حركة السفن المارة بالمنطقة إليه ليصبح ميناءً محوريًا، بما يعرض الموانئ المجاورة إلى أن تصبح موانئ رافدية تابعة للميناء المحوري بالمنطقة هذا من جهة، ومن جهة أخرى ليس بالضرورة من يملك موقعًا متميزًا أن يحقق مكانة لوجستية متقدمة، بل من الممكن أن يسعى إليها (في غفلة من أهلها) عن طريق حق الانتفاع (نظام BOT)، فمثلًا حصلت الصين، متمثلة في شركة «كوسكو باسيفيك»، على ميناء بيرايوس في اليونان مقابل حق انتفاع لمدة 35 عامًا، والذي يدعم اقتصاد اليونان، ويقلل الزمن الذي تستغرقه الصادرات الصينية في الوصول إلى الاتحاد الأوربي بما يتراوح ما بين 7 و11يومًا([33]).
إن إغراءات إقامة ميناء محوري تعتبر قوية جدًا من حيث ما ستخلفه من حركة كبرى من تدفقات البضائع وترددات السفن المختلفة من سفن عملاقة وسفن رافدية ومختلف وسائل النقل البري والنهري والسكك الحديدية، كما ستخلق حركة كبيرة في الإنتاج والتوزيع والتخزين وزيادة الطلب على العديد من التخصصات والخبرات ومختلف الأنشطة التي تخلق قيمة مضافة، وسيعمل مبدأ «أثر المضاعف» على تضاعف النشاط الاقتصادي والاستثمارات بسرعة في المنطقة المحيطة بالميناء المحوري.
يعرف الميناء المحوري بأنه ميناء عميق ضخم المساحة، يقع على خطوط الملاحة العالمية، مرتبط بداخل الدولة عبر شبكة لوجستية متكاملة، وله ظهير صناعي لوجستي ضخم، قابلان للتوسع، ويرتبط جغرافيًا بإقليم عالمي به عدة دول وليس فقط دولته، تتداول به بضائع الدولة وبضائع الدول المجاورة وليس فقط الحاويات، ويمر به حاويات دول أخرى كترانزيت، مؤمن عالمي المستوى، تستخدمه أكبر عدد ممكن من الخطوط الملاحية العالمية، وتتداول به أساسًا الحاويات، ثم الوقود ومنتجاته، والصب السائل بأنواعه، والسيارات، وبعض أصناف الصب والبضاعة العامة، تقبله الشبكة العالمية في منظومة التحوية، وتعمل به عدة خطوط رافدية ومشغلين لمحطاته بمبدأ الخدمة العامة وبدون احتكار، ويفضل ألا تحدث به اضطرابات أو تقلبات تؤثر على التوقيتات الحتمية لسلسلة الإمداد العالمية([34]).
ويرجع مفهوم الميناء المحوري إلى ثورة التحوية وما يتبعها من تزايد ممارسات إعادة الشحن، والذي أدى بدوره إلى تقسيم الموانئ إلى موانئ محورية (Hub Ports) وموانئ رافدية (Feeder Ports)، وإلى إشعال المنافسة بين الموانئ عالميًا لمحاولة كل منها أن تصبح ميناء محوريًا([35]).
معايير ومواصفات الميناء المحوري في ضوء التطور الحادث في التجارة الدولية([36])
ويوضح الشكل السابق أن ظهور سفن الحاويات العملاقة كان نتيجة طبيعية لتطور معدلات النمو في حجم التجارة العالمية، كذلك نتيجة تطور اقتصاديات سفن الحاويات، مما أدى إلى وجوب انحسار عدد الموانئ المحورية التي تستطيع التعامل مع سفن الحاويات حتى حمولة 15000حاوية (TEU)، وأن تكون المسافة البحرية بين الميناء المحوري العالمي الذي يتم اختياره والميناء المحوري العالمي التالي له لا تقل عن 3000 ميل بحري، أو 1500ميل بحري للميناء المحوري الإقليمي التالي.
ولكي يصبح الميناء محوريًا يلزم أن تعمق ممراته الملاحية ويزاد عدد أرصفته وأطوالها وأعماقها وتزود بالمعدات والأوناش اللازمة لاستقبال أعداد إضافية ومتطورة من السفن، وتداول أحجام إضافية من حركة البضائع والحاويات. كما يلزم تدريب العاملين به لرفع كفاءتهم بما يتناسب مع الكميات الإضافية من حركة السفن والبضائع والحاويات، وهذه الاستثمارت تعد عالية التكلفة بالنسبة للميناء، وذلك نظرًا للتقلبات السريعة والعالية في حركة البضائع الأقطرمة[37]*، بما يترتب عليه من ظهور طاقة فائضة بهذه الموانئ([38]).
لكي يكتسب الميناء تميزًا تنافسيًا كميناء محوري يجب أن تتوفر فيه ثلاثة عناصر رئيسية تتكامل فيما بينها، وهي:
– دور الإدارة في تنافسية الميناء المحوري: والتي ستتعامل مع الشركات الملاحية العملاقة، ولذلك يلزم أن تكون في نفس مستوى كفاءة هذه الشركات الملاحية، ويجب أن تكون سريعة المواكبة لمتطلبات السوق، وعليها أن تستخدم نظمًا إدارية شديدة التقدم، وعليها أن تضع خطتها الاستراتيجية لمساعدتها على الاستخدام الأمثل للموارد المتوفرة لتحقيق أهدافها التسويقية والمالية المحددة للحصول على نصيب محدد من السوق، واكتساب التميز التنافسي في مختلف الأنشطة التي تقوم بها.
– الموقع من عناصر تنافسية الميناء المحوري حيث يعتبر عاملًا أساسيًا لاكتساب الميناء تميزًا تنافسيًا بالمقارنة بالموانئ المجاورة له، غير أن امتياز الموقع جغرافيًا ليس كافيًا وحده، بل يجب أن تدعمه إدارة متقدمة تعمل على استغلال إمكانيات هذا الموقع مكانيًا وزمنيًا، ويستمد الموقع أهميته تبعًا لطبيعة الدور الذي يقوم به، فإذا كان الميناء المحوري ينحصر دوره أساسًا كمركز للشحن العابر (Transshipment)، حيث تدخله سفن الحاويات العملاقة التي تسير على خط الملاحة الرئيسي (Main Line Haul) فقط، فإن أهميته الجغرافية تتوقف حينئذ على مقدار قربه من الطريق الملاحي الرئيسي بحيث يسبب أقل انحراف للسفينة عن خط سيرها بالنسبة للمسافة المقطوعة والوقت المستغرق لدخول الميناء وتفريغ حاويات الشحن العابرة الواردة، والتقاط الحاويات الصادرة من المنطقة، بحيث تكون تكلفة دخولها هي العنصر الأساسي.
وارتكزت الجهود الدولية على تطوير ارتباط الموانئ المحورية الإقليمية بالظهير الخلفي للميناء، حيث ظهر مفهوم حديث وهو “إقليمية الميناء” ((Port Regionalization، والذي يشير إلى ارتباط تطوير الموانئ بسلسلة النقل المتكاملة وتوسيع وتعميق الظهير الخلفي لها ليعمل على تسهيل حركة التجارة، ولذا أصبحت الموانئ المحورية تعمل على تحسين بنيتها التحتية والنهوض بشبكة وسائط النقل المختلفة من الطرق البرية والسكك الحديدية والنقل النهري، بالإضافة إلى إنشاء مركز لوجستي وموانئ جافة لتجميع الحاويات وتقديم الخدمات اللوجستية وأنشطة القيمة المضافة([39]).
وتمثل الموانئ المحورية مداخل وبوابات (Logistical gate – ways) للدول والمناطق الجغرافية التي تقام فيها، وتؤدي هذه الموانئ الهامة على الطرق الرئيسية للتجارة البحرية دورًا مهمًا، إذ إنها تعمل على تقليل زمن رحلات السفن التي تعول على أداء الخدمات السريعة، وذلك لاقتصار تعاملها مع عدد قليل من الموانئ المؤهلة للتعامل مع سفن الحاويات من الأجيال (الطرازات) المتقدمة التي تدار على أسس من الحسابات الاقتصادية التي تحكمها الاتجاهات وتقليل الفاقد وتحقيق أكبر قدر من الوافرات؛ فيتخذ مثلًا ميناء روتردام لنفسه شعار “روتردام بوابة أوروبا”، والذي يعبر عن رؤية تنبعث منها استراتيجية كاملة كي يستمر ميناء روتردام المعبر الرئيسي لتجارة أوروبا، حيث يعمل للتخطيط على وصول الحاويات إلى قلب أوروبا بأسرع وأكفأ وأرخص خدمة نقل بالمقارنة بباقي الموانئ في شمال غرب أوروبا.
– يمثل دور حجم حركة البضائع هو العامل الأساسي لجذب الشركات الملاحية، وبالنسبة لحجم سفن الحاويات التي تتزايد طاقتها، فإن حجم تدفق البضائع في كلا الاتجاهين (صادر ووارد) على طول العام سيكون ضروريًا، ولذلك فإن الدور الرئيسي للخطة القومية للدولة ولإدارة الميناء هو العمل على تركيز حركة البضائع، سواء التي تتجه مباشرة من أو إلى الظهير الخلفي للميناء أو بضائع الشحن العابر Transshipment Cargo)). فإن كفاءة الميناء وإمكانياته وحداثة معداته وارتفاع معدلات تداول الحاويات به تؤدي إلى تعظيم إنتاجية خدماته لتصل لمستوى المعدلات العالمية، واستمرار العمل على مدار الساعة طوال العام دون توقف؛ كل ذلك يعمل على زيادة تدفق أحجام كبيرة من البضائع، وتعمل الإجراءات الجمركية المعقدة كعامل طارد لمرور البضائع([40]).
ويوضح الجدول التالي أعلى 10 موانئ عالمية في تداول الحاويات خلال الفترة من 2010- 2017.
ترتيب أعلى 10 موانئ محورية في تداول الحاويات خلال الفترة من 2010- 2017([41])
مليون حاوية
ونلاحظ من الجدول السابق:
في ظل المنافسة المحتدمة، سواء في الأسواق الخارجية أو الداخلية، تحت تأثير انتشار سياسات تحرير التجارة العالمية، أصبح لفكرة الميزة التنافسية أهمية أساسية، وأصبح من الضروري أن يكون لكل وحدة اقتصادية استراتيجية تنافسيةCompetitive Strategy) (A من أجل إحراز الميزة التنافسية لمنتجاتها في الأسواق. ويعتبر التغير التكنولوجي أحد أهم العوامل المؤدية إلى التميز التنافسي، وهو يؤدي دورًا رئيسيًا في تغيير بنية الصناعة ذاتها، وكذلك في خلق صناعات جديدة، ولكن التغيير التكنولوجي ليس مطلوبًا لذاته، وإنما تبرز أهميته عندما يؤدي إلى التميز التنافسي، والذي يتحقق عن طريق القيمة التي تستطيع الوحدة الاقتصادية أن تحققها لعملائها، وذلك من خلال طريقين:
وبذلك تتمثل تنافسية الميناء في تقديم خدمات أكثر كفاءة وجودة من منافسيه في العمليات اللوجستية، وأظهرت تنافسية الميناء اللوجستي 6 جوانب: الطاقة الاستيعابية للميناء المناولة، والبنية التحتية، وكفاءة الخدمات اللوجستية ومستوى الخدمة، وبيئة تطوير الموانئ، ومستوى المعلوماتية اللوجستية للميناء، والقدرة على التنمية المستدامة([43]).
ويوضح الشكل البياني التالي تطور إنتاجية الميناء من الأنشطة الأساسية التقليدية إلى الأنشطة التكاملية والإنتاجية العالية ليصبح ميناء متفوق الخدمات.
مصفوفة الميزة التنافسية للميناء([44])
نلاحظ من الشكل السابق أن الموانئ التي تقدم الخدمات التقليدية في الزاوية اليسرى من المصفوفة لا يمكن تمييزها عن منافسيها، وأن الخيار الوحيد لمثل هذه الموانئ هو الانتقال إلى الجانب الأيمن من المصفوفة، نحو تقديم ميزة إنتاجية، أو للتحرك صعودًا نحو تقديم خدمات ذات قيمة مضافة. وأن “الموانئ المحورية” هي التي تهيمن على تقديم خدمات متفوقة تمزج فيها بين الميزة الإنتاجية وميزة خدمة ذات قيمة مضافة، والتي تقع في أقصى يمين المصفوفة.
إن القدرة التنافسية للموانئ البحرية تقوم على أساس من الإجراءات والإمكانيات التي تتحكم في تشغيل وتأمين سير العمليات داخل الميناء، والقدرة على تحقيق متطلبات أصحاب السفن والمتعاملين مع الميناء من خلال منظومة ) لوجستيات خدمات النقل البحري)، والتي تعتبر أحد الظواهر الرئيسية في الحكم على مستوى الأداء داخل الموانئ البحرية؛ ومن ثمَّ مدى قدرتها على الصمود أمام المنافسات والتكتلات الملاحية العالمية، وقد شكّل التراجع في حركة التجارة العالمية دافعًا جديدًا لحاجة الموانئ وشركات الخدمات اللوجستية للاستثمار في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ فهي تعتبر من المصادر الرئيسية لتحسين الإنتاجية وزيادة القدرة التنافسية، وذلك من خلال خمس تقنيات محددة أثبتت انتشار الخدمات اللوجستية، وتشمل:
وتختلف مستويات الآلية بشكل كبير بين الموانئ، فعلى سبيل المثال ميناء شنغهاي، وهو من أكبر موانئ الحاويات نشاطًا، ينفذ جميع عملياته يدويًا، فيما لا يوجد أي وجود بشري في قسم مناولة الحاويات في المحطة رقم 2 في ميناء “ماسفلاكت” في روتردام التي افتتح في أبريل عام 2015، مما يعزز من الكفاءة وخفض مخاطر وقوع الحوادث، ومن السهل تطبيق الآلية في المواقع التي تشيد في مناطق خالية، والتي قد تعدل بشكل جزئي أو كامل في المحطات المنشأة مسبقًا.
وتكون عملية الآلية منطقية في الموانئ التي تكون فيها تكلفة اليد العاملة والأرض مرتفعة، مع وجود حاجة تنافسية لمناولة السفن الأكبر حجمًا بكفاءة أعلى، وأدى ظهور السفن الضخمة إلى نشوء هذه الآلية، خاصة مع وجود أكبر من 120 سفينة شحن حاويات بسعة تتراوح بين 13-20 ألف حاوية نمطية قياس 20 قدمًا، ومن المتوقع استمرار هذا التوجه نظرًا لكفاءة مثل هذه السفن من حيث التكلفة.
ومن بين الأمثلة على نمو عملية الآلية تبرز محطة لوس أنجلوس التابعة لشركة “تراباك”، وهي أول محطة تتم آلياتها في الولايات المتحدة من حيث عمليات المناول “من السفينة إلى الشاطئ والعمليات الأرضية”، وأدّت توقعات خفض تكاليف القوى العاملة بنسبة50% إلى تحفيز العمل في هذا القطاع، حيث سيستمر ازدياد أعداد الموانئ الآلية؛ نظرًا لقدرتها على التميّز بشكل واضح أمام منافسيها الإقليميين فيما يتعلق بمقدرات التحميل والتفريغ الأكبر والأكثر كفاءة([47]).
كذلك بالنسبة للخدمات اللوجستية، بإمكان أجهزة الاستشعار أن تراقب درجة حرارة البضائع وكذلك المتغيرات الرئيسية الأخرى، بالإضافة إلى إرسال واستقبال البيانات عندما تكون مجهزة بأجهزة تحديد الهوية بموجات الراديو )آر إف آي دي)، حيث تصبح الأشياء قابلة للتعرف بشكل فريد، وتستخدم شركة “بيورفريش” هذه التكنولوجيا لتحسِّنَ نقل المواد الغذائية القابلة للتلف، حيث تجمع البيانات الفورية حول حالة الجو داخل حاوية مبرِّدَة، وترسل تنبيهات تلقائية في حال ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة خارج النطاق المطلوب، مما يسمح لمديري الخدمات اللوجستية الموجودين بعيدًا عنها من اتخاذ إجراء تخفيف)[48]).
يعتبر إرساء روابط الاتصال بمراكز الإنتاج والاستهلاك الرئيسية هو حجر الأساس لوظيفة الموانئ التجارية الكويتية، والتي أدت دورًا مهمًا وحيويًا في بناء الدولة منذ إنشائها، فقد نمت الكويت كدولة من حول ميناء الكويت القديم، واعتمد رخاؤها في مدة طويلة من مسيرتها على ما كان يجلب إليها من خلال ذلك الميناء من بضائع، فعلى الرغم من أن عمر ميناء الكويت – أو «الفرضة» – لا يقل عن عمر الكويت نفسها الذي يزيد على ثلاثة قرون، إلا أن الخطوة الأهم في عمر الميناء والتي رسخت دوره في بناء نهضة الكويت الحديثة كانت قد اتخذت في بداية القرن العشرين من قبل أحد أبرز قادة الكويت وأكثرهم حنكة وإقدامًا، وهو المرحوم الشيخ مبارك الصباح، الذي جعل من الفرضة أهم مرفأ في الخليج العربي لاستقبال البضائع القادمة من الخارج، وأكبر مركز لإعادة التصدير إلى الدول المجاورة، مما نتج عنه تبوء الكويت موقعًا تجاريًا بين بلدان المنطقة ظل لسنوات طويلة مشهودًا له بالريادة وحسن الأداء وعدم القبول بأقل من التربع في مركز الصدارة([49]).
لقد كانت جميع شركات بواخر الشحن آنذاك تؤكد أن بضائعها كانت تفرغ بسرعة في ميناء الكويت مقارنة بأية موانئ أخرى في الخليج، فقد كان ميناء الكويت يتميز بالإرشاد الجيد للسفن التي تأتي إليه، فبالإضافة إلى المنارة الموجودة في رأس الأرض هناك منارة أخرى لخدمة الملاحة في جزيرة كبر يبلغ طولها 29 قدمًا، كان يمكن للسفن القادمة إلى الميناء رؤيتها على بعد 11 ميلًا، وقد أكدت هذه التطورات المتلاحقة أهمية الكويت كميناء رئيسي في الخليج اعتمدت عليه الدولة لتزويدها بجزء كبير من حاجاتها التموينية، كما مهدت هذه الأحداث إلى احتفاظ الكويت لنفسها لعقود قادمة بالمركز الأول في التجارة الدولية في المنطقة، ولتصبح إلى نهاية الستينيات من القرن العشرين تقريبًا أهم مزود للعديد من السلع الرئيسية لما حولها من بلدان، في مقدمتها المملكة العربية السعودية والعراق وإيران والبحرين والإمارات([50]).
هذا كان الواقع؛ ولكن للأسف كان في الماضي، فبعد أن كان يمكن تصنيف ميناء الكويت على أنه ميناء محوري بكل ما يحتوية المعنى كما ذكر سالفاً.
نجد اليوم أن الموانئ الكويتية تصنف على أنها موانئ بدائية بحكم إمكانياتها من البنية التحتية والفوقية، كما تصنف هذه الموانئ اليوم على أنها موانئ رافدية بحكم حجم السفن القادمة إلى هذه الموانئ، وقد يفسر هذا الاضمحلال بالموانئ التجارية إلى ازدهار الموانئ البترولية.
فقد ارتبطت دولة الكويت منذ نشأتها وتطورها بموانئها؛ فهي شريان الحياة الرئيسي، وحجر الزاوية لخطتها الاقتصادية الطموحة 2035 بأن تصبح مركزًا ماليًا وتجاريًا عالميًا، فدولة الكويت تستورد أكثر من 80% من احتياجاتها عن طريق الموانئ، في حين تستورد نحو 20% من منافذها البرية والجوية، وتمتلك الكويت 6 موانئ مقسمة إلى موانئ تجارية: ميناء الشويخ- ميناء الشعيبة- ميناء الدوحة، تحت إدارة مؤسسة الموانئ الكويتية، وموانئ نفطية: ميناء الأحمدي- ميناء عبد الله، تحت إدارة مؤسسة البترول الكويتية، بالإضافة إلى ميناء مبارك الكبير (ميناء قيد الإنشاء يقع في شرق جزيرة بوبيان أكبر جزيرة كويتية وثاني أكبر جزيرة في الخليج العربي بعد جزيرة قشم).
تعتبر المواصفات الفنية للميناء، سواء كانت بنية تحتية (عمق وعرض الميناء وطول الرصيف) أو بنية فوقية (مدى توافر الأوناش والرفعات الجسرية وسهولة النقل والتخزين)، هي المحددات الفعلية للسفن التي ترسو عليه، ومن ثم نوعية البضائع وأحجامها، ويلخص الجدول التالي المواصفات الفنية للموانئ التجارية الكويتية.
.
ومن الجدول السابق نلاحظ ضعف البنية التحتية لهذه الموانئ، وهو الذي أدى إلى نزوح الشركات العالمية من الموانئ الكويتية، وتوجه عملياتها إلى موانئ بعض دول الخليج، كدبي أو البحرين، لتفادي تلك المشاكل، مما تسبب في ضعف الطلب على موانئ الكويت، فعند مقارنة البنية التحتية للموانئ الكويتية بمثيلاتها من موانئ دول مجلس التعاون الخليجي طبقًا لمؤشر التنافسية العالمية الذي يتم من خلال 137دولة.
وفقًا للجدول التالي نجد أن ترتيب موانئ الكويت يقبع في المرتبة 78 عالميًا.
البنية التحتية للموانئ الكويتية مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي([52])
ومن الجدول السابق نلاحظ أنه:
– على رغم من كل الإمكانيات المادية التي تمتلكها دولة الكويت إلا أنها جاءت في المرتبة الأخيرة من حيث البنية التحتية مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي؛ وهنا يظهر الافتقار إلى الإمكانيات البشرية الطموحة التي لم ترقَ بالموانئ الكويتية لتصبح أفضل الموانئ في العالم، على غرار ميناء جبل علي في دبي الذي يعد أكبر ميناء بحري في منطقة الشرق الأوسط على مدى 20 عامًا متتالية، والمنشأة الرائدة في محفظة موانئ دبي العالمية التي تضمّ أكثر من 65 ميناء ومحطة بحرية تتوزع على قارات العالم الست، وتم تصنيفه كتاسع أكبر ميناء للحاويات في العالم؛ من خارج شرق آسيا.
– كذلك أدى ضعف الإمكانيات التي تمتلكها الموانئ الكويتية، وبالأخص من حيث التقنية وسرعة تفريغ الشحنات فيها، وعدم استخدام الأنظمة الحديثة والرقمية في مجالي الإدارة والتشغيل وعدم مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال؛ مما تمخض عنها ارتفاع زمن بقاء السفن بالموانئ، وزيادة تكدسها؛ وهذا ما حدث في ميناء الشعيبة بتكدس الميناء بأكثر من 54 سفينة دون تفريغ، وذلك في عام2015([53] )، في حين أن من أهم الأنشطة اللوجستية هي توفير وسائل النقل التي تربط البحر بالظهير الخلفي للميناء، وتجنب الزحام داخل الموانئ ذاتها عندما تتكدس الشاحنات في طريق معين داخل الميناء.
– يعتبر بند أقصى غاطس في مؤشر البنية التحتية هو العلامة الفارقة في تحديد نوعية وحمولة السفن القادمة إلى الميناء وكذلك جيلها، ومن ثم أدى عدم تطور الموانئ الكويتية إلى التوقف عند الجيل الثالث من السفن: سفن بنمامكس بحمولة 3000-3400 حاوية مكافئة، بطول 250م× عرض32م بعمق 12.5، في حين أن الاتجاه العالمي نحو التوجه إلى استخدام السفن كبيرة الحجم لما توفره من نفقات في التشغيل تؤدي إلى إمكانية تخفيض النوالين بما يحقق لها قدرة المنافسة في سوق النقل البحري. وهذا النوع من السفن يكون العنصر المهم في تخفيض مصروفاتها هو عامل الوقت المستغرق في الرحلة البحرية وفي توقفها بالموانئ، ويفضل التعامل مع الميناء ذي الموقع المميز والمجهز بأحدث معدات الشحن والتفريغ ذات المعدلات المرتفعة والمناسبة مع نوعيات البضائع، وأهمية هذا النوع من السفن أنها تحقق موردًا إضافيًا نظير الخدمات المقدمة بالنقد الأجنبي، بالإضافة إلى إيجاد فرص عمل للمواطنين.
– كذلك أدت افتقار الموانئ الكويتية من إمكانيات البنية التحتية والفوقية إلى انخفاض معدلات تداول الحاويات مقارنة مع حركة تداول الحاويات بموانئ دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا ما يوضحه الجدول التالي:
بالألف
تصنف التجارة البحرية على حسب طبيعة البضائع التي تحملها مراكب الشحن إلى:
ولما كانت البضائع العامة (General Cargo) التي تنقل بالسفن ترد إلى الموانئ في أشكال وأحجام مختلفة، ويتم تداولها وعدها ورصها، ثم تخزينها بالسفينة المحددة للنقل طبقًا لخريطة الشحن، الأمر الذي يتطلب وقتًا طويلًا لإتمام هذه العمليات، مع ارتفاع التكلفة وزيادة أعداد العمالة المطلوبة لتنفيذها، كذلك تعرض البضاعة إلى التلف أو الفقد، لذلك فإنه من المنطقي تعبئة هذه النوعية من البضائع في أوعية موحدة الأشكال والأحجام حتى يسهل تداولها وتستيفها فيما يعرف باسم ((Cargo Unitization، حيث إنها في هذه الحالة تصبح موحدة الحمولة ((Unit Load وتعرف باسم الحاوية Container))، وعادة ما يكون طولها 20 أو 40 قدما[56] بدون عجلات، وهي بذلك توفر التكلفة من خلال زيادة سرعة دوران السفن.
لذا تمثل الحاويات النموذج المثالي في استغلال التحميل ونظام تسليم المواد؛ لأن الحاويات هي عبارة عن صناديق كبيرة مستطيلة الشكل مانعة لتسرب الماء، يتم تخزين البضائع فيها ونقلها، ويمكن غلقها لغرض الأمن، وفصلها عن وسائل النقل، واستخدام معدات تسليم معيارية لنقلها، ويمكن نقلها بوسائل نقل مختلفة([57]).
وقد ذكرت مجلة الإيكونومست “كان للحاويات دور أهم في العولمة من تحرير التجارة”؛ أي إن العولمة لم تكن ممكنة من دون الحاويات، ففي دراسة شملت 157 بلدًا خلال الفترة 1962- 1990، تقدم دليل عملي يفيد بأن النقل بالحاويات يعد عصب العولمة الاقتصادية في القرن العشرين، ففي الـ 22 بلدًا صناعيًا التي أجريت فيها الدراسة أرجعت إلى أن الزيادة البالغة 320% في التجارة الثنائية خلال السنوات الخمس الأولى بعد اعتماد الاتفاقيات، و790% على مدى 20عامًا؛ كانت نتيجة إلى استخدام النقل بالحاويات([58]).
مما سبق يمكن تصنيف الموانئ طبقًا لنوعية البضائع المتدولة بالميناء، ومن ثم يمكن تصنيف الميناء إذا كان من الجيل الثاني إذا كان يتعامل مع أنواع البضائع سواء صب جاف أو صب سائل، أما إذ كان التعامل في الميناء يغلب عليه السيارات والحاويات فهو يصنف ضمن أجيال بعد الجيل الثاني، حسب درجة القيمة المضافة المقدمة بالمركز اللوجستي.
ومن هذا المنطلق يمكن تصنيف الموانئ الكويتية إلى الجيل الثاني من الموانئ، وخاصة أن آلية العمل فيها مازالت بدائية تحتاج إلى تنظيم وتقنية، وكذلك لسيطرة عمليات الشحن والتفريغ الجاف والسائل على أداء الموانئ التجارية وبالأخص ميناء الشعيبة، وهذا ما يوضحه الجدول التالي:
نلاحظ من الجدول السابق:
توصيف إيرادات الموانئ الكويتية ومدى مساهمتها في الإيرادات الكلية([60])
ومن الجدول السابق نلاحظ الآتي:
كذلك يمكن التعمق في تحليل الإيرادات اللوجستية بذكر أن إيرادات نقل وتخزين الحاويات بميناء الشويخ تمثل 76% من جملة الإيرادات اللوجستية بالميناء، بقيمة 21,423,800 د.ك، في حين بلغت بميناء الشعيبة نسبة 21%، بقيمة 5,083.540 د.ك([61]).
تحث القوى التنافسية المتنامية التي تؤثر في الموانئ إلى مستويات أعلى من الأداء تتجاوز المعايير المتمثلة في تحقيق الكفاءة القصوى في العمليات، وتخفيض التكاليف، والكفاءة الزمنية، وتعزيز التجارة، ويتوقع على نحو متزايد من الموانئ أن تُحسن أداءها في مجالات أخرى، مثل: الأمن، وحماية البيئة، الاندماج الإجتماعي، ولهذه العوامل ذات صلات وطيدة بأهداف التنمية المستدامة وترقية الموانئ من جيل إلى آخر.
يرجع ارتفاع تكاليف الأداء اللوجستي لدى الموانئ الكويتية إلى ضعف أداء كفاءة عملية التخليص الجمركي والفحوص الجمركية، وانخفاض جودة البنية الأساسية للنقل والتجارة، وصعوبة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية، وهذا يقع تحت مظلة الأداء اللوجستي، فمن خلال منظومة تنظيمية متمثلة في 6 محاور رئيسية تضم أهم متطلبات البيئة اللوجستية تشمل:
وعند مقارنة وضع الكويت مع دول مجلس التعاون الخليجي طبقًا لمؤشر الأداء اللوجستي لعام 2018 نجد ما يوضحه الجدول التالي:
فمن خلال الجدول السابق نجد أنه طبقًا للمؤشر الرئيسي للأداء اللوجستي (LPI) لعام 2018 الصادر عن البنك الدولي، وقوع دولة الكويت في المركز الأخير مقارنة بدول مركز التعاون الخليجي، وبالنسبة للؤشرات الفرعية، يتضح أن هناك العديد المؤشرات التي اتسمت فيها دولة الكويت بعدم الكفاءة، واحتلت فيها المرتبة الأخيرة، مثل: مؤشر سهولة ترتيب شحنات بأسعار تنافسية، ومؤشر كفاءة ونوعية الخدمات اللوجستية وتنافسيتها، كذلك مؤشر القدرة على تتبع الشحنات وتعقبها.
كذلك الحال بالنسبة لمؤشر “أجيلتي” اللوجستي للأسواق الناشئة 2019، فرغم تقدم دولة الكويت للمركز الـ 18 عالمياً وصعودها 10 نقاط مقارنة بعام 2018 إلا أنها جاءت في المركز الأخير خليجيًا في التنافسية اللوجستية([64]).
في حين تعزو التقارير الدولية، مثل: تقرير البنك الدولي، وتقرير التنافسية العالمية، أن سلسلة الخدمات اللوجستية المقدمة بالموانئ البحرية فيما يتعلق بالخدمات المقدمة للسفن أو للبضائع بالإضافة إلى قدرة الموانئ على إقامة روابط قوية بالأسواق العالمية في مجال شحن البضائع، يعتبر أمرًا بالغ الأهمية لقدرته على تمكين الدول من تحسين قدرتها التنافسية بصورة أكثر فاعلية، بالإضافة للمزايا الأخرى التي يمكن أن تحققها الموانئ من خلال إقامة المراكز اللوجستية التي يتم إنشاؤها على أساس حركة السفن وتداول البضائع بأنواعها، والتي من أهمها جذب الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع الصادرات، وزيادة حجم التجارة الدولية، والعمل على تخفيض تكاليف النقل وشحن البضائع.
على الرغم من كل الإمكانيات المادية والبشرية التي تملكها دولة الكويت إلا أنها طبقًا للمؤشر التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2017/ 2018، نجد إنها في حالة تدهور مستمر، فبعد أن كانت في المرتبة 34 عالميًا طبقًا للمؤشر لسنة 2015/ 2016 ضمن 140دولة، انخفض مؤشرها ووصل إلى المرتبة 38 ضمن 138دولة لعام 2016/ 2017، ثم وصلت مرحلة التدهور إلى أن بلغت المرتبة 52 عالميًا ضمن 137دولة وذلك في عام 2017/ 2018. وعند مقارنة هذا الوضع مع دول مجلس التعاون الخليجي نجد أنها جاءت في المرتبة قبل الأخيرة (سلطنة عمان، 62عالميًا)، وجاءت دولة الإمارات في المرتبة 17 عالميًا، ثم قطر 25 عالميًا، والسعودية 30 عالميًا، ثم البحرين 44 عالميًا.
وعند تحليل المؤشرات الفرعية لمؤشر التنافسية العالمية مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك طبقًا للجدول التالي:
يتبين أن أغلبية المؤشرات الفرعية حصدت الكويت على المراكز الأخيرة فيها، وخاصة في مؤشرات المؤسسات، والبنية التحتية، والصحة والتعليم، كذلك في مؤشر كفاءة سوق السلع، وتطور سوق المال، كذلك في مؤشر الابتكار.
يقيس مؤشر تمكين التجارة عبر الحدود الوقت والتكلفة المرتبطين بالعملية اللوجستية لتصدير واستيراد البضائع، ويأخذ المؤشر في عين الاعتبار الميزة النسبية لكل اقتصاد عند قياس إجراءات التصدير، بينما يركز في إجراءات الاستيراد على مُنتج واحد شائع ومُصنع (قطع غيار مَركبة).
ولذا عند تحليل مؤشر تمكين التجارة عبر الحدود نجد أنه مؤشر فرعي من المؤشر الرئيسي لسهولة الأعمال، والذي يضم 190 دولة.
وضع دولة الكويت وفقًا لمؤشر التجارة عبر الحدود ومكوناته لعام 2019 مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي([65])
تؤثر كفاءة عمليات الموانئ تأثيرًا مباشرًا على كفاءة سلسلة الخدمات اللوجستية بأكملها على طول ممرات الشحن المحلية والدولية، ومن ثمَّ على تكاليف النقل، فزيادة في كفاءة الميناء بمقدار 0.1% تقلل تكاليف النقل البحري بنسبة 0.9-3.8%([66]).
ومن ثم نجد أن هناك العديد الآثار السلبية لانخفاض أداء الموانئ الكويتية، والتي تتمثل في التالي:
لقد أظهرت الإحصائيات المختلفة لعائد القيمة المضافة مدى أهمية الأنشطة اللوجستية في تحقيق عائد مالي مرتفع وخلق عمليات توظيف، حيث إن الموانئ التقليدية لم تعد قادرة على مسايرة التطور الاقتصادي للدولة وخلق فرص عمالة جديدة، فنجد دولًا، مثل: الدنمارك، وفنلندا، وإيطاليا، قد ساهمت القيمة المضافة لقطاع اللوجستيات في الناتج المحلي الإجمالي بنسب 14.38،14.18،14.63% بالترتيب لعام 2009([68]).
كذلك ميناء روتردام الذي حقق أكثر من حوالي 22.5 مليار يورو فقط في عام 2014من عمليات القيمة المضافة التي تمت بواسطة المراكز اللوجستية الملاصقة للميناء، بالإضافة إلى توطين مشاريع عالمية متكاملة تعمل على استقدام نظم تكنولوجية حديثة تساهم في خلق خبرات فنية وإدارية متطورة نتيجة الاحتكاك بخبرات عالمية تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، وربط الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي.([69])
كذلك يمكن توضيح أهم الملامح المستهدفة الواجب توفرها في الموانئ التجارية الكويتية، وهى نوعيات الموانئ المؤهلة لاحتضان المراكز اللوجستية فيما يلي:
فعلى سبيل المثال، واجهت أولى سفن(Chinamax) للسوائب الجافة التي سُلمت لشركة Vale البرازيل تحديًا يتمثل في إيجاد موانئ تردد عليها . ففي مطلع عام ٢٠١١ لم تكن الصين قد أذنت بعد لهذه السفن بدخول الموانئ الصينية بحمولتها الكاملة؛ لذا فكرت شركة Vale)) في الرسو في أحد الموانئ في ماليزيا، ومن ثمّ نقل ركائز الحديد في سفن أخرى من تلك الميناء إلى الصين، أو الدخول إلى ميناء كينغادو بحمولة تقل عن حمولتها الكاملة([73] ).
وهناك العديد من الدراسات -ما يقرب من 150 دراسة- حول تأثير الميناء على الناتج المحلي الإجمالي، وكانت النتيجة أن ثلث الموانئ تحقق قيمة مضافة قدرها 100دولار أميركي متوسط لكل طن من إنتاجية الميناء، وأن ثلثي الموانئ في العينة حققت ما بين 50- 250دولارًا قيمة مضافة لكل طن، ويشمل هذا الرقم قيمة مباشرة وغير مباشرة، كذلك أشارت هذه الدراسات إلى وجود علاقة طردية موجبة بين حجم الميناء وبين القيمة المضافة المحققة، كذلك هناك اختلافات كبيرة جدًا في القيمة المضافة المباشرة المرتبطة مع فئات مختلفة من البضائع المتداولة بالموانئ، فبضائع الصب الجاف والصب السائل تولد عمومًا قيمة مضافة محدودة للطن الواحد عن البضائع العامة والبضائع في حاويات، فالطن الواحد من الحبوب يولد في المتوسط 20 دولارًا، بينما التعامل مع السيارات يولد في المتوسط 220 دولارًا، و90 دولارًا في المتوسط لنقل البضائع في حاويات. ويجب ألا نغفل تأثير المضاعف، حيث إن كل واحد يورو ينفق في ميناء يؤدي إلى طلب إضافي قدره 1.47 يورو من مقدمي الخدمة في الميناء، وقد حسبت هذه المضاعفات من خلال قياس الروابط الخلفية للقطاع الموانئ من خلال دمج مجموعات الميناء إلى مدخلات الإنتاج الوطني، وتقييم المدخلات والمخرجات من الصناعات العنقودية للميناء. وكان التأثير غير المباشر للموانئ روتردام وانتويرب على الاقتصاد الوطني أصغر من تلك التي وجدت للموانئ أوروبية أخرى، وهي: هامبورغ، لوهافر ومرسيليا. ويمكن تفسير ذلك من خلال حقيقة أن روتردام وأنتويرب والموانئ الكبيرة جدًا في بلد صغير نسبيًا، لذلك يفترض أن جزءًا كبيرًا من الآثار الاقتصادية غير المباشرة لهذه المنافذ يجري في بلدان أخرى من تلقاء نفسها ولا تظهر من خلال المضاعف([74]).
لقد استخدمت إمارة دبي ثلاث استراتيجيات حتى تتمكن من الدخول في سلاسل التوريد العالمية، ولتصبح ما آلت إليه اليوم بأن تكون موانئ دبي ضمن قائمة العشرة الكبار في تداول الحاويات في العالم، وهي:
وهي أن تدرج الميناء داخل سلاسل توريد عالمية في محاولة للحصول على مصادر أخرى من الدخل بخلاف تصدير المواد الخام، وهذا مكنها من الوصول إلى موارد حيوية، مثل: التكنولوجيا، الأسواق، المعرفة، الخبرة، وتم ذلك عن طريق إدراج الميناء في واحدة أو أكثر من سلسلة توريد، وقد يتم الإدراج عن طريق الحصول على عقود امتياز، أو التحالف مع أحد الخطوط الملاحية.
وقد طبقت دبي هذه الاستراتيجية عن طريق إطلاق الشيخ سعد آل مكتوم حملة لإنشاء ميناء جبل علي وتطويره، وقد انتهت المرحلة الأولى سنة 1979، ثم أنشئت منطقة حرة سنة 1985، وتعتبر المنطقة الحرة من أهم الخطوات التي أكدت مدى قدرة دبي على القيام بعمليات النقل وعمليات القيمة المضافة، ويعتمد ما يقرب من ثلثي نشاط دبي على عمليات إعادة التصدير، التي تخلق عمليات وضع العلامات وإعادة التعبئة للبضائع التي يتم إنتاجها في الهند والصين وهي الاقتصاديات الأسرع نموًا في العالم؛ مما سمح بتقاسم مستمر للمعارف بينها وبين الإمارات العربية المتحدة، ويعاد تصدير هذه البضائع إلى العالم، وتستضيف المنطقة الحرة مكاتب لمطوري المنتجات الاستهلاكية العالمية، مثل: نوكيا، جنرال اليكتريك، فيلبس، هوندا، بيبسي؛ حتى يستطيعوا توزيع علامتهم التجارية بكفاءة ونمو أسرع في الأسواق، وبهذه الطريقة استطاعت دبي أن تدرج نفسها داخل أكثر من سلسلة توريد والدخول في شبكة إنتاج عالمية([75]).
تنبع الأهمية الاقتصادية للمناطق الحرة في دبي كونها مصدرًا من مصادر جذب الاستثمار الأجنبي ونقل المعرفة، وذلك ناتج من اهتمام الدولة والتي كان لها الفضل الأكبر في النجاح والتميز، وجعلها مثالًا يحتذى على مستوى العالم.
ففي إطار سعيها الحثيث نحو تحقيق التنوّع الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد المباشر على النفط، دأبت حكومة دبي على الاستثمار في سلسلة من المناطق الحرة ذات التخصصات المختلفة شملت الصحة وتقنية المعلومات والإعلام والتعليم والخدمات المالية ومجالات أخرى، واليوم يبلغ إجمالي عدد المناطق الحرة في إمارة دبي 23 منطقة حرة، منها 10 مناطق حرة رئيسية، يعمل فيها حوالي 19 ألف شركة. تم إنشاؤها لقطاعات وصناعات متنوعة، من ضمنها قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، والإعلام، والمالية، والذهب والمجوهرات والرعاية الصحية([76]).
وتبوأت الدولة المركز الأول باستحواذها على العدد الأكبر من المناطق الاقتصادية الحرة من بين 19 دولة، وتهدف من وراء ذلك الوصول لأسواق ملياري مستهلك في جميع مناطق الشرق الأوسط وجنوب وغرب آسيا وإفريقيا([77]).
وتقدم المناطق الحرة في دبي عددًا من الحوافز والمزايا التي أسهمت في جذب الشركات الأجنبية إليها، وتشتمل هذه المزايا: حق تملك الأجانب بنسبة تصل إلى100%، وإعفاءات ضريبية طويلة المدى، وإعفاءات جمركية، وعدم وجود قيود على التوظيف والكفالة، وعدم وجود قيود على خروج رأس المال أو الأرباح، إضافة إلى ذلك لا توجد قيود على تحويل العملا، فالمناطق الحرة في دبي تتميز بحد أدنى من البيروقراطية، وكذلك سهولة وسرعة إجراءات إنشاء الشركات([78]).
ونلاحظ أن هذه الحوافز تنقسم إلى نوعين: الأول يشمل توفير البنية الأساسية والخدمات اللازمة للصناعات داخل هذه المناطق: الطرق، الكهرباء، وسائل المواصلات…، أما النوع الثاني فيشمل الإعفاءات والمعاملات التجارية التميزية، والتجهيزات الرأسمالية من الجمارك([79]).
ومن الأمثلة لبعض هذه المناطق:
تعد المنطقة الحرة لـ”جبل علي” (JAFZA) التي أنشئت في فبراير 1985 أول منطقة حرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتكون المنطقة الأبرز ضمن مجموعة المناطق الاقتصادية العالمية التابعة لمؤسسة “دبي العالمية “، وتبلغ مساحتها حوالي 57 كيلومترًا مربعًا تمتد جنوب إمارة دبي، وتعتبر من بين المناطق الحرة الأكبر والأسرع نموًا في العالم، وقد ساعدها وقوعها بين كيانين لوجستيين مهمين، هما: ميناء “جبل علي” (أحد أكبر 10 موانئ بحرية في العالم)، ومطار آل مكتوم الدولي (أكبر مطار شحن في العالم)، في استقطاب شركات وعلامات تجارية عالمية تسعى للاستفادة من هذا الموقع الاستراتيجي في تسهيل و تسريع نقل سلعها وخدماتها إلى مختلف أنحاء العالم؛ فهي مثالية كمحور حي للتجارة والتخزين والتوزيع لسوق يصل إلى ملياري من العملاء؛ مما أتاح أن ينظر إليها كقاعدة مثالية للشركات متعددة الجنسيات.
وباعتبار المنطقة الحرة بـ”جبل علي” واحدة من أسرع المناطق الحرة نموًا في العالم، فقد حققت مجموعة من الإنجازات التالية:
تتمثل استراتيجية الدمج في دعم الأنشطة الاقتصادية والخدمية بدمجها في أنشطة اقتصادية أخرى عن طريق الدمج الرأسي والأفقي.
ولقد طبقت دبي هذه الاستراتيجية على موانئها عن طريق دمج أكبر ميناءين في دبي عام 1991، وهما ميناء جبل علي وميناء آل راشد، وأنشأت هيئة تسمى موانئ دبي، فكان كلا الميناءين قبل الدمج يعملان ككيانين منفصلين، وبذلك تم تقليل الرسوم الجمركية، وأنشئ نظام معلومات واتصالات موحد يربطها ليساعد على توفير المعلومات للمستهلكين وعمل شبكة تربط الحكومة بالمستثمرين بالعملاء لتسهيل إجراء العمليات بين الحكومة والمستثمرين، وبين المستثمرين ببعضهم، وبين المستثمرين والعملاء، كذلك تم توحيد الجمارك والمصارف والنقل والأمن العام؛ وذلك لتجنب القيادة الطويلة الموازية، فالهيكل التنظيمي للنظام الإداري بميناء دبي يتكون طبقًا للشكل البياني التالي([81]):
شكل رقم (4)
عرفت دبي على مدى تاريخها بأنها “مدينة التجار”، وهذا مثل حال دولة الكويت، حيث شهدت التجارة فيها نموًا على مدى عقود طويلة. وبعد اكتشاف النفط في عام 1966، ومع نمو التجارة أفرزت الحاجة إلى بنية تحتية سواء نقل بحري أو بري أو جوي، ومع توسعة خور دبي أخذ مستوى المعيشة في مدينة دبي في التحسن، مما أدى إلى زيادة حركة الملاحة في الخور؛ الأمر الذي أحدث اضطرابًا في المرور؛ ولهذا اقتنع الشيخ راشد بضرورة إنشاء ميناء في المياه العميقة، وقد وضع التصميم الأول بحيث يتألف الميناء من 4 أرصفة قادرة على استقبال السفن عابرة المحيطات وناقلات البترول، وأطلق على الميناء اسم “ميناء راشد”، وكانت الأعمال الإنشائية لهذا الميناء هي أكبر أعمال إنشائية شهدتها مدينة دبي حتى ذلك الحين، ولكن قبل الانتهاء من جميع أعمال الإنشاء أصدر الشيخ راشد أمرًا مفاجئًا بإنشاء 16 رصيفًا بدلًا من 4، وعندما افتتح حاكم دبي “ميناء راشد” في أكتوبر عام 1971؛ أي بعد 5 سنوات من بدء أعمال الحفر الهندسي، تبين أن قرار الشيخ راشد كان قرارًا يتصف بالعبقرية؛ فبحلول موعد الافتتاح كانت الأرصفة محجوزة بالكامل!!!.
وفي فبراير عام 1976 بدأت مرحلة جديدة في تطوير الميناء، إذ أضيف 20 رصيفًا منها 5 أرصفة مخصصة للحاويات تستقبل أكبر السفن حجمًا، كما تم توسعة منطقة التخزين إلى 30 ألف متر مربع، بما في ذلك منطقة متطلبات التخزين الخاصة التي أصبحت تضم 400 ثلاجة، ولقد مكن “ميناء راشد” مدينة دبي من تعزيز موقعها كمركز تجاري في منطقة الخليج، وسهل وقوعه بالقرب من المصارف والمكاتب التجارية، وكذلك نظام تشغيله عالي الكفاءة وخلو عملياته من التعقيدات الإدارية، على التجار استيراد بضائعهم، وساعد كثيرًا وكالات وشركات التأمين وشركات إصلاح السفن وغيرها من المؤسسات على اتخاذ دبي مقرًا لها([83]).
في عام 1976 أصدر الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم توجيهاته للبدء بتنفيذ مشروع أكثر طموحًا يتمثل في بناء ميناء “جبل علي” المتمم لـ”ميناء راشد” في الجوانب التجارية، والعمليات المتعلقة بالنقل والعبور، إلا أنه تم الدفع قُدمًا بالمبدأ الذي يستند إليه ميناء “جبل علي” باتجاه التطوير الصناعي ليتمكن بعد فترة وجيزة من جذب مشاريع صناعية ضخمة، مثل: مشاريع الألمونيوم والغاز والأسمنت. كما ساعد إنشاء المنطقة الحرة حول الميناء في جعل الموقع مركزًا للشركات الدولية التي تتطلع إلى الاستفادة من أفضل المنشآت والتكاليف التنافسية وحرية العمل في القطاع البحري([84]).
وقد تم إنشاء “ميناء جبل علي” على مساحة 25 ألف فدان اقتطعت من رمال الصحراء؛ لذا فهو أكبر ميناء في العالم. كما يعتبر هذا المشروع إلى جانب سور الصين العظيم وسد هوفر ضمن 3 مشروعات التي صنعها الإنسان ويمكن رؤيتها من الفضاء الخارجي([85]).
وانتهى العمل من إنشاء أول رصيفين خلال 18 شهرًا، وقد عمل الميناء بكامل طاقته في يونيو عام 1979، وهو يقع على بعد 35 كيلو مترًا من مدينة دبي و120 كيلو مترًا من مدخل الخليج، وفي حقيقة الأمر كان الشيخ راشد يشعر بأن منطقة “جبل علي” يمكن أن تصبح أقرب إلى المدينة في حالة توفر وسائل المواصلات والطرق الحديثة، وفي الوقت نفسه هي بعيدة عن المدينة بما يكفي لكي تكون منطقة تصنيع من أجل جذب مزيد من الأعمال التجارية إلى الإمارات.
ويأتي مشروع “ميناء جبل علي” طبقًا لاستراتيجية حاكم دبي “إن إقامة هذا الميناء يأتي تمشيًا مع خططنا لجعل هذا البلد مركزً ا له شأنه في المجتمع العالمي، ولكي نحول بلدنا من بلد يعتمد على التجارة فقط إلى مركز يساهم في الصناعات العالمية المتطورة، ويسهل السبل أمام هذه الصناعات لتمضي قدمًا في خدمة الإنسانية ومجالات الحياة المختلفة”.
ويقع ميناء “جبل علي” على بعد 35 كيلومترًا جنوب غرب مدينة دبي، ويقع “ميناء راشد” في مدينة دبي، والمسافة بينهما حوالي 38 كم.
وشهد عام 1991 دمج ميناء “جبل علي” مع ميناء راشد لتشُكل “سلطة موانئ دبي” ليتمكن الميناءان مجتمعين وللمرة الأولى من مناولة أكثر من مليون حاوية نمطية قياس 20 قدمًا، ويشكل “ميناء راشد” وميناء “جبل علي” منظومة متكاملة لميناء عالي الكفاءة بكافة المقاييس، حيث يتمتع ميناء راشد بسمعة تجارية عالمية جيدة، وارتفعت حركة الحاويات في ميناء “جبل علي” بأكثر من 50% لقربه من مطار دبي، وفي ميناء راشد بأكثر من 10%([86]).
وفي حين كانت تنقسم منطقة «جبل علي» إلى قسمين: الأول هي المنطقة الحرة، وتتولى سلطة إدارتها حكومة دبي، وتدير سلطة ميناء “جبل علي” الأعمال اليومية في المنطقة وذلك نيابة عن سلطة المنطقة الحرة، ويشمل القسم الثاني منطقة الاستيداع الجمركي الخاصة، وتتولى الجمارك إصدار تراخيص هذه المنطقة، وفي عام 2001 تم دمج “سلطة موانئ دبي” و”سلطة المنطقة الحرة لجبل علي” والجمارك لتأسيس “مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة”، وفي عام 2005 تم دمج “سلطة موانئ دبي” مع “موانئ دبي الدولية” لتُكون “موانئ دبي العالمية” لتحتل المرتبة التاسعة عالميًا في قائمة أكبر موانئ الحاويات في العالم([87]).
كذلك يعتبر عام 2000 عامًا فارقًا في تاريخ دولة الإمارات التجاري، فقد كانت معاملات العملية التجارية في دولة الإمارات قبل عام 2000 تعاني من عوائق إدارية، فمن وجهة نظر رجال الأعمال آنذاك كانت التجارة عملية معقدة نسبيًا وتستغرق وقتًا طويلًا، ولشحن البضائع كان على الشركات التعامل بشكل مستقل مع العديد من الجهات الحكومية، مثل: الجمارك، والسلطات الصحية، وهيئات التراخيص، وغيرها، كما كان من الضروري ترتيب الوثائق والأوراق الرسمية، وتسليمها للجهات المعنية المختلفة، وفي مطلع عام 2000 أدرك أصحاب القرار في هيئة موانئ دبي حجم العمليات التجارية المحتمل خسارتها نتيجة الإجراءات الإدارية غير المترابطة وغير الفعالة في دبي، وقد أدت هذه الجهود في النهاية إلى تكوين شبكة مستقلة باسم «النافذة الواحدة» لإدارة العمليات التجارية التي من شأنها السماح للتجار بتقديم الوثائق والمتطلبات لعمليات الاستيراد/التصدير عبر نافذة واحدة لوكالات متعددة باستخدام إجراء واحد للدخول على الإنترنت؛ وبناء على ذلك لإنجاز شبكة تجارية متكاملة واستحداث عملية تجارية موحدة يجب أن يتم من خلال شرطين هما:
وتطبيقًا لذلك تعتبر خدمة (E-Token) التي تقدمها دبي التجارية مثلًا، هي عبارة عن نظام شبكي على الإنترنت تم تطويره ليلغي ضرورة الحضور شخصيًا، وتسليم الوثائق الورقية باليد عند استلام وتسليم الحاويات في منطقة الميناء، فبحلول عام 2011 بلغت نسبة مستخدمي نظام E-Token)) أكثر من 93%، وذلك من إجمالي الحاويات القادمة والمغادرة لميناء “جبل علي”([88]).
ويوضح الشكل البياني التالي تأثير دمج ميناء “جبل علي” مع ميناء راشد سنة 1991، وكذلك دمج “سلطة موانئ دبي” مع شركة “موانئ دبي الدولية” لتكون “موانئ دبي العالمية” سنة 2005.
شكل رقم (5)
تطور عدد الحاويات في موانئ دبي العالمية خلال الفترة من عامي 1991-2006([89])
ويمثل دمج سلطة موانئ دبي ودائرة الجمارك وسلطة المنطقة الحرة لـ”جبل علي” في مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة عام 2001 تطورًا كبيرًا لجافزا وإضافة حقيقية لقدراتها، حيث إن سلطة موانئ دبي تندرج ضمن أهم الموانئ العالمية للحاويات، فهي تدير ما يقرب من 67 ميناء في أكثر من 30 دولة بالشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وأستراليا وأميركا اللاتينية، فالقدرات الاستيعابية لها مكنتها من زيادة أعمال مناولة الحاويات بالمنطقة الحرة بـ”جبل علي”، إذ تمت مناولة 3.1 ملايين حاوية نمطية في عام 2000 بعد أن كانت 1.3مليون حاوية عام 1991، في حين تم مناولة 3.5 ملايين حاوية في عام 2001، واستمرت الزيادة خلال عامي 2002 و2003 لتصل على التوالي إلى 4.2 و 5.2 ملايين حاوية، وبحلول عام 2005 تمت مناولة 7.6 ملايين حاوية بزيادة قدرها 19% عن عام 2004، لتصل عدد الحاويات التي تمت مناولتها في عام 2006 ما يقرب من 8.4 ملايين حاوية، وهو ما أشار إليه الشكل البياني السابق، وليبلغ معدل الزيادة 300% خلال الفترة من 1995- 2006، حيث تضم “جافزا” بعض المرافق التابعة لسلطة الموانئ؛ لذلك فإن عملاءها يستطيعون الاستفادة الكاملة من هذه الخدمات التي تتضمن مناولة الحاويات ومخازن التبريد والتخزين، بالإضافة إلى إمكانية نقل الحاويات بين “ميناء راشد” و”ميناء جبل علي”.
تعد قدرة الميناء على استخراج الطاقة من الأنشطة اللوجستية بالإضافة إلى السيطرة على شبكة الموانئ الإقليمية وتحويلها إلى شبكة موانئ عالمية، ويتم ذلك عن طريق الاستحواذ على عقود الإدارة والتشغيل لموانئ أخرى، مثل: أخذ عقد تشغيل “ميناء جدة الإسلامي”، وتعد هذه الاستراتيجية من أهم وأصعب الاستراتيجيات التي تساعد على عمل شبكة إحكام إقليمي وعالمي، وتعتبر جزءًا لا يتجزأ من هيكل موانئ أخرى، وتساعد دبي في الدخول في شبكات إنتاج عالمية لموانئ أخرى في دول أخرى، ومن خلال هذه الاستراتيجية يستطيع الميناء تحقيق قيمة مضافة، وبذلك تستطيع دبي عمل إحكام شبكي (network embeddedness)، ويتحقق هذا الإحكام من خلال علاقات ثابتة مع الشركات، فضلًا عن علاقات الشركات بالحكومات في نطاق مكاني مختلف.
تتسم عملية التوسع في شركة موانئ دبي العالمية بالتنوع الجغرافي الذي يسمح لها بتوجيه المزيد من حركة الحاويات عبر ميناء دبي، بالإضافة إلى تمكين الشركاء والموردين في موانئ دبي إلى الوصول إلى أسواق إقليمية جديدة من شأنها خلق سلاسل خدمات لوجستية عنقودية جديدة، تعزز النمو الكلي في إمارة دبي.
فبعد عام 1990 طمحت سلطة موانئ دبي إلى تحقيق شبكة عالمية لإدارة الموانئ، ولهذا الغرض أنشأت دبي عام 1998 “هيئة موانئ دبي الدولية” التي تغيرت بعد ذلك لتصبح “هيئة موانئ دبي العالمية”، وذلك للتعاون بدلًا من التنافس مع “ميناء جبل علي”، ومن خلالها بدأت مرحلة الخروج من الإقليمية إلى العالمية بإنشاء وتطوير محطات حاويات تابعة لها لخدمة سفنها أولًا؛ ومن ثمً خدمة السفن الأخرى، ومما لا شك فيه أن ذلك يعتبر من نقاط القوة التشغيلية لهذه المحطات، بحيث تعتبر جزءًا من حجم التداول مضمونًا دائمًا لا يدخل في إطار المنافسة والجذب من المحطات الإقليمية المنافسة([90]).
وتمثل شركة تشغيل الموانئ « (DP World) «Dubai Ports Worldنموذجًا لمقدم خدمات لوجستية يوسع نطاق عملياته في الخارج، فقد شرعت شركة (DP World) في الحصول على عقود امتياز في موانئ أجنبية بعد منافسيها الرئيسيين بوقت قليل. وتحقق جزءًا من نموها بشراء شركة (P&O) من المملكة المتحدة في عام ٢٠٠٦ التي كانت آنذاك رابع مشغل للموانئ في العالم، بصفقة بلغت 9.3 مليارات جنيه إسترلينى (حوالي 7 مليارات دولار)([91]).
وتضم محفظة شركة موانئ دبي العالمية 77 محطة برية وبحرية عاملة مدعومة بأكثر من 50 نشاطًا ذي صلة في 40 بلدًا عبر قارات العالم الست، مما يعكس حضورًا بارزًا في كل من الأسواق الناشئة ذات معدلات النمو المرتفعة والأسواق المتقدمة على حد سواء([92]).
وبذلك يعزى أحد أسباب الرئيسية لصمود هذه الشركة أمام الاضطرابات الاقتصادية إلى توزع تواجدها الجغرافي على نحو متوازن في جميع القارات مع التركيز على الشرق الأوسط، ونمت DP World بوتيرة أسرع من السوق أثناء الانتعاش الاقتصادي الذي بدأ في عام ٢٠٠٩، فزادت حصتها من السوق بنسبة تقدّر بنحو ١٠% من إنتاجية موانئ الحاويات في العالم من 8.9 % في عام 20٠٨ .
وتعد مناولة الحاويات النشاط الأساسي للشركة، حيث تساهم بأكثر من ثلاثة أرباع عائداتها، وناولت “موانئ دبي العالمية” في عام 2015، 61.7 مليون حاوية نمطية قياس 20 قدمًا، ومن المتوقّع مع العمل الجاري في 8 مشاريع تطوير جديدة أن تنمو الطاقة الاستيعابية الإجمالية البالغة حاليًا 79.6 مليون حاوية نمطية، إلى أكثر من 100 مليون حاوية نمطية بحلول عام 2020 تماشيًا مع حاجة السوق([93]).
وهذه أمثلة على بعض عمليات الاستخواذ التي قامت بها “شركة موانئ دبي العالمية”، والتي تركز على أسرع الأسواق نموًا:
طورت شركة موانئ دبي العالمية منذ توليها إدارة ميناء دكار عام 2008 المرفق ووسعته بشكل لافت، محولة المحطة إلى أكبر محطة بحرية في غرب إفريقيا وأكثرها حداثة؛ مما أدى إلى توفير أوقات عبور سريعة للبضائع المتجهة إلى غينيا – بيساو، وموريتانيا، وغامبيا.
ويقع ميناء داكار عند تقاطع الممرات التجارية الرئيسية: أميركا الشمالية وإفريقيا- أوروبا وإفريقيا- أوروبا وأميركا الجنوبية، وقد أدت هذه التوسعة إلى زيادة الطاقة الاستيعابية من أقل من 300 ألف حاوية نمطية قياس 20 قدمًا إلى أكثر من 600 ألف حاوية نمطية، ومن ثمَّ تعزيز قدرتها على مناولة أحجام أكبر من البضائع، مما انعكس بشكل إيجابي على التجارة والاقتصاد السنغالي عبر خلق أكثر من 200 فرصة عمل للسنغاليين([94]).
افتُتحت محطة “موانئ دبي العالمية- ياريمشا” بتركيا بتاريخ 14/5/2016، وتتمتع المحطة الجديدة التي تعد واحدة من أكبر المحطات البحرية في تركيا بطاقة استيعابية تصل إلى 1.3 مليون حاوية نمطية، وتمتد على مساحة 460 ألف متر مربع، مما يعزز ربط تركيا بكل من أوروبا وآسيا، وتمكين التجارة في خليج إزميت، أحد أهم مناطقها الصناعية.
وتعتبر محطة “موانئ دبي العالمية-ياريمشا” أول مشروع للبنية التحتية في خليج إزميت تتم إدارته من قبل مشغّل عالمي، والأول في البلاد الذي يستخدم رافعات عملاقة تعمل بالتحكم عن بعد مع أنظمة تحكم آلي بالبوابات تتميز بنظام مواعيد محدد للمركبات ما يضمن سرعة الإجراءات. كما تتمتع المحطة بمساحات سريعة للأشعة السينية الأولى من نوعها في تركيا، والتي تتيح مسح 120 حاوية كل ساعة، وتضم المحطة رصيفين بطول 465 مترًا و430 مترًا يمكنها من مناولة سفينتين في الوقت ذاته. كما تم تركيب 6 رافعات عملاقة لتفريغ السفن بالإضافة إلى 18رافعة جسرية مزودة بإطارات مطاطية “آر تي جي” تستخدم لتكديس الحاويات ووزنها([95]).
على خلاف تجربة موانئ دبي التي تعتمد استراتيجيتها على تجارة الترانزايت، تتواصل التجربة الصينية التي تعتمد استراتيجيتها على التصنيع.
فمنطقة شرق آسيا تهيمن بشكل عام، والصين بشكل خاص، على أكبر قدر من البضائع في سوق الحاويات العالمية من حيث صادرات وواردات الحاويات في العالم، فنجد أن منطقة آسيا تستحوذ على 61.42% من حجم الصادرات العالمية، تليها أوروبا بحجم قدره 15.59%، ثم أميركا الشمالية بنسبة قدرها 8.64%، وذلك في يناير 2016([96]).
وعند الحديث عن الصين نلاحظ حدوث تغيير كبير منذ عام 1978 في تراكيب منتجات الاستيراد والتصدير الصينية، فبالنسبة لمنتجات الواردات كانت نسبة المنتجات المصنعة منخفضة للغاية، وفي عام 2008 بلغ حجم الواردات من المواد المصنوعة 770 مليارًا و310 ملايين دولار بنسبة بلغت 68% من إجمالي الواردات. أما بالنسبة لمنتجات التصدير، فارتفعت المنتجات الصناعية بشكل كبير، فبلغت في عام 2008، 1 تريليون و350 مليارًا و700 مليون دولار بنسبة بلغت 95% من إجمالي الصادرات، بزيادة قدرها 50% عن عام 1985، والصادرات الصينية التجارية تُظهر وضعًا كبيرًا من الزيادة بالنسبة لإجمالي الصادرات العالمية، ففي عام 1953 كانت الصادرات الصينية التجارية تبلغ 1.2% من إجمالي الصادرات العالمية، وبحلول عام 2003 تحولت هذه النسبة إلى 5.9%، وفي عام 2007 ارتفعت أكثر لتصل إلى نسبة 8.9%، وأصبحت الدولة المصدرة الثانية على مستوى العالم(([97]، وفي عام 2014 بلغ إجمالي الصادرات الصينية 12.33% من إجمالي الصادرات العالمية، وبذلك قد تكون تخطت ألمانيا، وأصبحت هي أكبر دولة مصدرة في العالم. وبالنسبة للواردات الصينية بلغت في عام 2014 نسبة 10.26% من إجمالي الواردات العالمية، فهي تلي أميركا التي تبلغ 13%([98]).
وتضم المنطقة الاقتصادية لدلتا نهر اليانغتسى 16 مدينة من بينها شنغهاى وهانغتشو ونينغبو. وتحيط المنطقة بنهر اليانغتسى، وهو أطول نهر في الصين، والشريان الرئيسي بين الشرق والغرب، وهناك 26 ميناء على طول النهر، وفي عام 2009 شكل الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة ما يقرب من خمس إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للصين.
ويمكن إرجاع محورية ميناء شنغهاي إلى موقعه الجغرافي المواتي بقربه من دلتا نهر اليانغتسى “الأكثر ملائمة”، كذلك قربه من طرق التجارة الدولية.
وعينت دلتا نهر اليانغتسى منطقة اقتصادية مفتوحة في عام 1985، وعلى غرار المناطق الاقتصادية الخاصة الموجودة بالفعل في جميع أنحاء الصين ركزت السياسات الليبرالية على اجتذاب الاستثمار الأجنبي والتجارة من خلال المعاملة الضريبية التفضيلية، وتخفيض التعريفات الجمركية، والبنية التحتية المتينة، وتقلص تدخل الحكومة([99]).
ويعتبر ميناء شنغهاي الميناء التصديري الرئيسي لمدن أخرى مجاورة بخلاف مدينة شنغهاي، مثل: جيجيانغ، فوجيان، جيانغشي، أنهوي، كذلك المقاطعات الشمالية التي تقع على مقربة من الحدود مع شنغهاي لديها مناطق اقتصادية وتصديرية أكثر من المناطق في الجنوب والشرق؛ مما تمخض عن مساهمة مدينة شنغهاي ب ـ5% من إجمالي الدخل القومي، أما مساهمتها في مجال الصناعة فتبلغ 8% من إجمالي الدخل القومي، ويخرج من ميناء شنغهاي ربع صادرات الصين([100]).
وتمثل حصة الحاويات حوالي 78% من حركة الميناء لعام 2011، بالإضافة إلى 12% للصب الجاف، والباقي للصب السائل، مقارنة بميناء سنغافورة التي تمثل حركة الحاويات 35%، والصب السائل 40%، والصب الجاف 25%([101]).
كذلك نلاحظ أنه لا يزال مصطلح “صُنع في الصين” يلقى شعبية في النطاق العالمي، فوفقًا لتقرير شركة الاستشارات الأميريكيةAT كيرني أن “صُنع في الصين” تحتكر العالم بامتلاكها الحصة الأولى في سوق يموج بأكثر من مائة منتج في مجال الحاويات والأجهزة المنزلية والألعاب الإلكترونية وغيرها من المجالات، فحصتها من الحاويات90%، ومن مشغلات الدي في دي80%، ومن لعب الأطفال 75%، ومن الهدايا 70%، ومن السلع الرياضية 65%، ومن الدراجات60%، ومن الميكروويف50%، ومن أجهزة التلفزيون والثلاجات 30%([102]).
وفي السياق نفسه تأتي دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي ينتظرها الملايين من محبي وعشاق الرياضة في كل بقاع العالم، حيث لا تعد حدثًا رياضيًا كبيرًا فحسب، بل أيضا مهرجانًا ساطعًا لمختلف الشركات والعلامات التجارية.
فقد برزت الصين في دورات الألعاب الأولمبية السابقة بمنتجات صغيرة، مثل: الأعلام الوطنية، والشارات الأولمبية، والعصا المضيئة. ولكن في دورة الألعاب الأولمبية 2016 التي انطلقت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية تطورت العلامات التجارية الصينية التي صعدت إلى الواجهة هذه المرة من البضائع الصغيرة إلى مجالات البنية التحتية والأجهزة الكهربائية وغيرها من المنتجات ذات القيمة المضافة العالية، فعلى سبيل المثال يعد مشروع بناء الخط الرابع من مترو ريو دي جانيرو أكبر مشروع قدمته الصين لأولمبياد ريو، حيث جرى على هذا الخط قطارات من صنع شركة متخصصة في إنتاج عربات السكك الحديدية تقع في مدينة تشانغتشون بشمال الصين، ووقعت عقدًا تجاوز قيمته 10 مليارات يوان مع شركة إدارة وتشغيل المترو البرازيلية لتصدير600 قطعة من عربات المترو والمركبات الكهربائية إلى البرازيل، ونقل هذا الخط المباشر الذي يربط بين القرية الأولمبية والحديقة الأولمبية ووسط المدينة 300 ألف شخص يوميًا، هذا علاوة على مشاركة العديد من شركات الهندسة الميكانيكية الصينية في مشروعات بناء الإستاد الأولمبي([103]).
ومما سبق يتضح أن تنوع الإنتاج في الشركات وتحرك عملياتها إلى أماكن منخفضة تكلفة العمالة والوصول إلى النقل البحري كذلك منخفض التكلفة أدى إلى جعل آسيا “مركز الإنتاج العالمي” أو “مصنع العالم” بزعامة الازدهار الاقتصادي للصين، التي نمت تجارتها بمعدل سنوي قدره 25% في العقد الماضي؛ أي أكثر من ضعف نمو التجارة العالمية، مما جعل الصين أكبر تاجر في العالم عام 2013، وكانت الصادرات الصينية تتجه إلى حد كبير إلى موانئها البحرية على الحد الشرقي (ميناء شنغهاي)، وهي منطقة يغلب على إنتاجها الشق الصناعي؛ ونتيجة لذلك أصبحت موانئها الشرقية مزدحمة ومكدسة([104]).
ساهم ذلك في أن يكون من الأسباب الرئيسية لأن تصبح الصين في المرتبة العالمية الأولى عالميًا في تداول الحاويات بعدد 181.6مليون حاوية تقريبًا، بنسبة تغير قدرها 6.3% عن عام 2013، وبفارق عن أقرب منافسيها سنغافورة بـ 146.8 مليون حاوية([105]).
كذلك في تداول ميناء شنغهاي 40.233 مليون حاوية في عام 2017، بنسبة نمو بلغت على مدار 10 سنوات 144%، وهذا كما يتضح من الجدول السابق.
بحكم موقع قناة السويس وحجم السوق المصري الذي يحتل طبقًا لتقرير التنافسية العالمية المرتبة 19 عالميًا لعام 2018، يمكن الجمع بين الاستراتيجيتين: الترانزايت والتصنيع المحلي.
بحيث تفرغ في موانئ محور قناة السويس كل أنواع البضاعة، وتنقل إلى المناطق اللوجستية والصناعية لتصنيعها وإعادة تصديرها، فموقع مصر عند الطرق المتقاطعة للتجارة الدولية بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا يجعلها من المحاور اللوجستية العالمية الكبرى التي تسعى الشركات التجارية باستمرار إلى ترسيخ أقدامها في مصر لتكون انطلاقة لها إلى أوروبا والأسواق الإقليمية.
ولتحقيق هذه الاستراتيجية تنبثق أهمية دور موانئ محور قناة السويس، وخاصة مينائي شرق وغرب بورسعيد وميناء العين السخنة.
فوفقًا لاتجاه حركة تدفق التجارة العالمية وموقع كل قطب بالنسبة إلى السوق المجاور له وبما يتناسب مع موقع الميناء في نظام الحاويات العالمي؛ كأن يركز ميناءا شرق وغرب بورسعيد على أوروبا والبحر الأسود والساحل الشرقي الأميريكي، وتركز موانئ شمال غرب خليج السويس على إفريقيا ودول المشرق العربي وحتى جنوب شرق آسيا، ويعتبر السوق الأول لكل قطب هو السوق الثانوي للقطب الآخر.
ولكن بدون الاعتماد على هذه الاستراتيجية بشكل أساسي، كما فعل ميناء دبي باعتماده على مناولة حاويات الترانزيت بشكل عام وحركة الركاب بشكل خاص، مما جعله يقع تحت تأثير تقلبات التجارة العالمية مثلما حدث إبان الأزمة العالمية في عام 2008.
فلا يمكن بناء اقتصاد يرتكز على التصنيع دون سلسلة نقل حديثة متكاملة تماثل مستويات النقل المتكامل في العالم المتقدم، وذلك لخلق سلسلة إمداد لوجستية متميزة قادرة على المنافسة العالمية، ولتكون عملية سحب وتوزيع الحاويات من وإلى منطقة الظهير ذات كفاءة وفاعلية.
وسبق أن ذكرنا أن من عناصر جذب الخطوط الملاحية هو حجم التجارة أو حجم السوق الذي تحتل فيه مصر مرتبة متقدمة بحصولها على المرتبة الـ 19 على مستوى العالم لعام 2018.
وكما فعلت الصين يكون الشرط الرئيسي للحكومة المصرية التفاوض مع شركات متعددة الجنسيات التي تريد أن تتمتع بهذا الموقع الاستراتيجي في محور قناة السويس، وأن يتم عمل شراكة بينها وبين الشركات المصرية لتتيح نقل التكنولوجيا المتطورة والاستفادة من حجم السوق الكبير.
كذلك يأتي دور التجمعات أو العناقيد الصناعية المصرية، حيث تمتلك مصر عددًا من التكتلات الصناعية المهمة، وسيكون من الجيد رسم أطلس لهذه التجمعات التي تشتمل على: تجمع المحلة الكبرى للنسيج، وتجمع أثاث دمياط، وشرم الشيخ السياحي، وتجمع صناعة الجلود. وتعد القرية الذكية في القاهرة بمثابة تكتل تكنولوجي تشغيلي مهم، ويمكن لهذه التكتلات أن تخلق روابط عبر سلاسل الإمداد ومع صناعات الخدمات التكميلية، فضلًا عن العلاقات مع السلطات الحكومية المعنية ومراكز البحوث، إلا أن هذه الروابط ضعيفة جدًا في مصر في الوقت الراهن.
هناك العديد من المشاريع والفرص التي يمكن لسلطة موانئ الكويتية أن تتعاون مع الحكومة المصرية، متمثلة في الاستفادة من خبرة الهيئة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس في الآتي:
يعتمد اقتصاد دولة الكويت على منتج واحد، هو البترول ومشتقاته، في حين لجأت الإدارة السياسية في مصر بالاستغلال الأمثل لقناة السويس، وبمفهوم أكثر من تحصيل رسوم عبور السفن المارة بالقناة، وهذا يتماشى مع ثورة التغير الشامل التي يخوضها العالم الآن، اقتصاديًّا وسياسيًّا وتكنولوجيًّا.
يمثل مشروع محور قناة السويس مشروع مصر الاستراتيجي لحماية أمنها القومي في أكثر المناطق حساسية للوجود المصري بفكر متطور يختلف عن الأساليب التقليدية، التي تعارفت عليه الدول من حماية حدودها بقوات وخطط عسكرية، لتصبح المصالح الدولية جزءًا رئيسيًا لتحقيق الأمن القومي من واقع حرص الدول صاحبة المصلحة في الحفاظ على مصالحها.
كذلك الحال بدولة الكويت بتطوير موانئها التجارية لتصبح موانئ محورية عالمية، فهي تحتاج إلى عالم يسوده نوع من توازن للقوى يتيح للدول الصغيرة أن تبقى على قيد الحياة، فلا تجتاحها أو تستوعبها الدول الأكبر منها (إيران).