ما بين دروس التاريخ وأزماته، وفرص الحاضر وتحدياته كانت العلاقات المصرية- الكويتية في رحلتها التاريخية قد أنتجت شبكة من المصالح الاقتصادية والسياسية، وأقامت العديد من الروابط الاجتماعية والتفاعلات الثقافية، وشكلت بذلك النموذج الأمثل في العلاقات العربية مما جعل مهمة حصر الأحداث الإيجابية في تاريخ العمل المشترك بين البلدين أمرًا بالغ التعقيد؛ نظرًا للزخم الشديد الذي شهدته تلك العلاقات التي قطعت الطريق على من أراد بها سوءًا.
وانطلاقا من تلك الثوابت التاريخية كان من الضرورى التقدّم على مسار التكامل بين البلدين من خلال طرح رؤية مستقبلية تحمل في طياتها آليات التكامل بين الشقيقتين، والذي يدعمه ما أكدته أهداف التنمية المستدامة عالميًا الصادرة عن الأمم المتحدة في متن هدفها الـ17، والذي ينص على “عقد الشراكات العالمية من أجل تحقيق الأهداف“، وذلك نظرًا للطابع المتكامل لأهداف التنمية المستدامة الذي تتداخل فيه الأهداف بطريقة قطرية معقدة، مما يعد داعيًا لأن تنفذ الدولتان تلك الأهداف بشكل تشاركي، وشكلت تلك الأمور في مجملها الباعث إلى طرح تصور لتكامل رؤية الكويت 2035 ومصر 2030.
لذا استهدفنا في تناولنا لهذه الدراسة إنجاز تصور كامل يحقق التكامل بين رؤية الكويت 2035 ومصر 2030، وهو ما اتخذناه كمنهج عام عند التناول بأن نضع نصب أعيننا العلاقات الكويتية-المصرية ضمن إطار شامل لن نغفل فيه جذور الماضي الراسخة، وآخذين في الحسبان معطيات الحاضر وتحدياته، ومتطلعين لاستغلال المستقبل وآفاقه.
ولقد قصدنا إبراز الجانب المشرق للعلاقات بين البلدين في المحور الأول، ثم أتبعناه بمحور ثانٍ تناولنا فيه الفرص والتحديات الاستراتيجية التي تواجه الدولتين في مسيرة التنمية، وفي المحور الثالث قدمنا قراءة سريعة ومختصرة لرؤية الدولتين أتبعناها بقراءة نقدية، وختامًا كان لزامًا علينا أن نقدم الطرح المستهدف من أجل إنجاز تكامل الرؤى بين البلدين في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك في محور أخير تحت اسم رؤية (الكويت 2035- مصر 2030).. شراكــــــــــة من أجل التنميـــــــــــة.
شكلت العلاقات المصرية الكويتية طوال العقود الماضية نموذجًا فريدًا للعلاقات التي يجب أن تجمع الدول العربية، ومثلت جزءًا لا يتجزأ من تاريخهما ومسيرتهما المشتركة، واتسمت بسمات وخصائص تؤكد عمق الترابط الرسمي والشعبي بين البلدين، بالإضافة إلى تطابق وجهات النظر القائمة على ثبات المواقف ووضوح الرؤى حيال التحديات التي تهم الأمتين العربية والإسلامية، ولعل ما يربط مصر بالكويت من علاقات تاريخية مميزة تصل إلى حد الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات السياسية والثقافية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، ولذا سنتناول في هذا المحور العلاقات التاريخية بين البلدين على الصعيد الاستراتيجي والثقافي والعلمي والاقتصادي والتجاري.
يعرض الشكل التالي عددًا من الأحداث التي عززت العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
شكل رقم (1) مسار العلاقات الاستراتيجية بين مصر والكويت
المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على الدراسات السابقة.
برقية جمال عبد الناصر.. بداية مسار العلاقات الاستراتيجية الراسخة([1])
أرسل الرئيس جمال عبد الناصر برقية تهنئة إلى أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم في ذلك الوقت بمناسبة استقلال دولة الكويت في العام 1961، جاء نص البرقية كما يلي: “في هذا اليوم الأغر الذي انبثق فيه فجر جديد في تاريخ الوطن العربي باستقلال الكويت وسيادتها، ليسرني أن أبادر بالإعلان عن ابتهاج شعب الجمهورية العربية المتحدة، وعظيم اغتباطهم بهذا الحدث التاريخي المجيد الذي اعتزت به نفوس العرب جميعًا، وليس أحب لقلوبنا من أن ننتهز هذه المناسبة السعيدة لنبعث إلى سموكم وإلى شعب الكويت الشقيق بأجمل تهانينا القلبية وأمانينا الصادقة، داعين الله تعالى أن يكتب لكم التوفيق والسداد، وأن يمدكم بعونه حتى يصل الكويت في عهده الجديد بفضل قيادتكم إلى تحقيق ما يصبو إليه من عزة ومجد ورفاهية”. |
شكلت صور التعاون العلمي والثقافي بين البلدين أحد أهم المسارات في تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين مصر والكويت، وامتزج المناخ الثقافي للبلدين نتيجة لمشاركة العلماء والأدباء والمثقفين المصريين نظرائهم من دولة الكويت في تنمية العناصر الثقافية المتجسدة في البعثات التعليمية والأدب وفنون الموسيقى والغناء والمسرح([2])، ويوضح الشكل التالي أهم تلك المحطات الثقافية:
شكل (2): التعاون العلمي والثقافي بين مصر والكويت
المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على الدراسات السابقة.
بدأت العلاقات المصرية الكويتية تأخذ شكلًا متطورًا في المجال الاقتصادي منذ خمسينيات القرن الماضي وتحديدًا منذ ظهور النفط، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن ساهمت العلاقات الاقتصادية الرسمية بين البلدين في تدشين العديد من الاتفاقيات الثنائية منذ عام 1964م، منها الاتفاق الموقع بين غرفتي التجارة في يونيو 1977م، واتفاق التعاون الاقتصادي والفني عام 1998م، وتبعها العديد من الاتفاقيات بين الجانبين([3])، ومن الملاحظ أن أبرز صور العلاقة الاقتصادية بين مصر والكويت تتمحور حول المساعدات والدعم والاستثمار والتجارة البينية والعمالة والسياحة، وهي مؤشرات التكامل الاقتصادي الخمس التي طرحتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة، وبعض الدراسات الاقتصادية([4])؛ وعليه سنعرض المؤشرات الخمس لإظهار مدى التكامل بين البلدين على الصعيد الاقتصادي والتجاري، وذلك كالتالي:
يعد حجم التجارة بين مصر والكويت من ضمن أعلى معدلات التجارة البينية العربية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن الكويت تعد ثالث أكبر شريك تجاري لمصر في العالم العربي بعد دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فقد ارتفع حجم التجارة البيني من 585 مليون دولار في عام 2015م إلى 1.74 مليار دولار في عام 2018م منها حوالي 363 مليون دولار سلع غير بترولية، وذلك بالرغم من كل الظروف الصعبة التي تحيط بالمنطقة([5]).
كما تمثل الكويت بفوائضها المالية مصدرًا هامًا للاستثمار في مصر منذ الخمسينيات، ففي مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير احتلت الاستثمارات الكويتية بمصر المركز الثاني على المستوى العربي، وشهدت أيضًا معدلات نمو عالية في تلك الفترة، حيث وصل حجمها إلى أكثر من مليار دولار، واتسمت بتنوعها لتشمل أغلب مجالات الاستثمار من خلال المساهمة الكويتية في أكثر من 500 شركة بمصر([6]).
وبعد ثورة 25 يناير وبالرغم من تراجع الاستثمارات الغربية الناتجة عن الأحداث والتوترات السياسية والأمنية، ظلت دولة الكويت تحتل مركزًا هامًا على خريطة الاستثمار في مصر، حيث تشير إحصائيات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إلى أن الاستثمارات الكويتية احتلت المرتبة الثالثة عربيًا في ترتيب الدول المستثمرة في مصر، والرابعة على مستوى العالم وذلك وفقًا لإجمالي حجم التدفقات الرأسمالية حتى نهاية 2015م، مما حدا بالكويت لتأسيس شركة متخصصة لإدارة مشروعاتها الاستثمارية في مصر وهي شركة “أكويتي”([7]).
وتبلغ الاستثمارات الكويتية في مصر حاليًا نحو 4.7 مليارات دولار في ظل وجود 1302 شركة في مجالات الصناعة والعقارات والسياحة والخدمات والزراعة([8])، كما بلغ عدد الشركات التي تساهم فيها رؤوس أموال مصرية حوالي 2736 شركة معظمها شركات صغيرة ومتوسطة، وبنسبة مشاركة دون 51% وفقًا للقانون الكويتي([9])، وقد بلغ حجم الاستثمارات المصرية في الكويت نحو 1.1 مليار دولار، فيما تعد استثمارات شركة المقاولون العرب من أهم الاستثمارات المصرية في الكويت([10]).
تعدّ مصر الوجهة المفضّلة لأكثر من 100 ألف سائح كويتي يأتون إليها سنويًا، وكذلك تعتبر الجامعات المصرية منذ العام 1939 من أكثر الجامعات استقطابًا للطلاب الكويتيين الذين يكملون دراساتهم الجامعية في الخارج([11]).
تشكل العمالة المصرية بالكويت أحد أهم مظاهر التكامل بين البلدين، فطبيعة دولة الكويت ريعية ويمنحها النفط فوائض مالية عالية فيما تفتقر إلى رأس المال البشري، في مقابل مصر ذات الكثافة السكانية العالية وتوافر الأيدي العاملة بكثرة.
أدت العمالة المصرية دورًا كبيرًا في مسيرة الكويت التنموية في العديد من المراحل، فكانت المرحلة الأولى مع بداية عشرينيات القرن الماضي لدعم نهضة الكويت، وجسدتها إعارات من الحكومة المصرية للنهضة بالتعليم وتنظيم الجمارك ودعم الإدارة الحكومية، ثم تبعتها المرحلة الثانية من منتصف السبعينيات وفترة الثمانينيات، حيث كان لها دور بارز في نهضة الكويت العمرانية والعلمية من خلال الكوادر المصرية المتميزة في مجالات البناء والتشييد والتعليم والقضاء([12])، ثم كانت المرحلة الثالثة في أعقاب الغزو العراقي للكويت عام 1990 والانتهاء من عملية التحرير، حيث ساهمت العمالة المصرية بدور كبير في عملية إعادة الإعمار. ومازال سوق العمل الكويتي يطلب المزيد من العمالة المصرية، حيث تعد الكويت الوجهة الثانية المفضلة للعمالة المصرية في دول الخليج العربي بعد المملكة العربية السعودية، حيث يصل عدد المصريين العاملين بها إلى حوالي نصف مليون عامل، ويعملون فيها بكافة القطاعات ابتداء من العمالة المهنية إلى كبار القضاة والمستشارين([13]).
وتمثل تحويلات المصريين العاملين بالخارج أحد أهم موارد الخزانة المصرية المتمثلة في إيرادات قناة السويس والصادرات والسياحة والبترول، وطبقًا لتقارير البنك المركزي المصري سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال عام 2018 قيمة إجمالية بنحو 25.5 مليار دولار، وتجدر الإشارة إلى أن القيمة الكبرى لهذه التحويلات تأتي من الجالية المصرية في دول الخليج مقارنة بتحويلات الجاليات المصرية في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والدول الأوروبية، وعلى صعيد تحويلات المصريين العاملين في الكويت تأتي تحويلاتهم في المرتبة الأولى على مستوى تحويلات الجالية العربية العاملة في الكويت، حيث تزيد تحويلاتهم السنوية عن 1.5 مليار دولار سنويًا([14]).
تجلت المساعدات الاقتصادية على أثر التداعيات الاقتصادية السلبية التي أنتجتها مراحل التحول السياسي في بعض المراحل من السنوات الأخيرة، وما نتج عنه من تراجع في احتياطي البنك المركزي المصري من النقد الأجنبي، فكان للمساعدات الكويتية بمشاركة بعض الدول الخليجية أكبر أثر في ارتفاع هذا الاحتياطي([15])، وقد شارك أمير الكويت في مارس 2015م في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، وأعلن خلال كلمته في أعمال الافتتاح عن دعم الكويت لمصر بـ4 مليارات دولار لضخها في القطاعات الاستثمارية المختلفة، أضيفت إلى حزمة المساعدات التي أعقبت ثورة 30 يونيو وكانت بقيمة 4 مليارات دولار، ليصل مجموع التدفقات المالية من الكويت إلى مصر ما يقدر بـ 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات الأخرى التي تم توقيعها مع “الصندوق الكويتي للتنمية” بما يتجاوز 200 مليون دولار([16]).
لقد انعكست العلاقات الإيجابية بين البلدين على علاقة التعاون بين “الصندوق الكويتي للتنمية” ومصر، حيث إن إجمالي المشروعات التي دعمها الصندوق في مصر منذ إنشائه عام 1961م وحتى النصف الأول من 2019م وصلت إلى حوالي 50 مشروعًا في مجالات الزراعة والكهرباء والنقل والصناعة ومياه الشرب والصرف الصحي بنحو 3.65 مليارات دولار([17])، هذا وتعد مساهمات الصندوق الكويتي بمصر مساهمات مباشرة في التنمية، حيث شارك في تمويل تعميق وتطوير المجرى الملاحي لقناة السويس، ومشروع السحاري أسفل القناة، والذي أدخل لأول مرة مياه النيل إلى أرض سيناء من خلال ترعة الشيخ جابر، وكان للصندوق دور بارز في تمويل إعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية بعد حرب أكتوبر 1973م، والمساهمة أيضًا في إزالة آثار الزلزال المدمر عام 1992م بتقديم منحة لا ترد لبناء عدد من المدارس التي تأثرت بالزلزال بقرى صعيد مصر، بالرغم من أن الكويت كانت لا تزال تعاني من آثار الغزو العراقي، وانشغالها بتعمير ما تم تدميره خلال الحرب([18]).
ويوضح الشكل التالي العلاقات الاقتصادية بين مصر والكويت.
شكل رقم (3) العلاقات المصرية الكويتية.. أرقام ومؤشرات
المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على الدراسات السابقة.
المحور الثاني
تعد المحافظة على البقاء وحماية الأمن القومي أحد الأهداف الاستراتيجية لأي دولة، وهو ما يجعلها تبحث عن تحقيق أمنها من خلال علاقاتها مع جيرانها ومع القوى الإقليمية والدولية([19])، وذلك من خلال التكاتف في مواجهة التحديات المشتركة واقتناص الفرص المتاحة، وهذا ما يعد باعثًا من أجل تكاتف مصر والكويت لخلق نموذج تكامل استراتيجي ثنائي، وربما يمتد إلى أن يصبح نموذجًا عربيًا باتباع سياسة خارجية قائمة على هدف أساسي، وهو البقاء والمحافظة على التواجد على الخريطة السياسية ومتابعة التنمية المستدامة، خصوصًا في ظل التهديدات والتحديات المتوالية.
تواجه الدولتان العديد من التحديات على جميع الأصعدة: الداخلية والإقليمية والدولية، وهو ما يقف عائقًا في مسيرة التنمية، فعلى صعيد الداخل الكويتي كان هناك العديد من التحديات، ومنها قضية البدون التي لم تضع الحكومة آليات جدية لحلها، والخلل الكبير في التركيبة السكانية، بالإضافة إلى طبيعة النظام الاقتصادي القائم بشكل كامل على عائدات الثروة النفطية ما جعله يعاني من عدم التنوع، وهو الأمر الذي يتطلب وضع خطة قائمة على التنويع من خلال الاعتماد على التصنيع والتجارة وتحقيق التكامل الاقتصادي والانخراط في استثمارات جديدة داخل الكويت وخارجها([20]).
وعلى الصعيد المصري تواجه الدولة العديد من التحديات التي أوردتها استراتيجية التنمية المستدامة في “رؤية مصر 2030″، مثل: الانفلات الأمني الذي يتمثل في الإرهاب ومشكلة المرور وأمن المواطنين، والأمن الغذائي الذي يتمثل في التعدي على الأراضي الزراعية واستيراد 60% من استهلاك القمح وانخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني، والأمن المائي الذي يتمثل في انخفاض نصيب الفرد وعدم توفر المياه لزيادة الرقعة الزراعية وعدم التنسيق مع دول حوض النيل عند بناء السدود، بالإضافة إلى تراجع النمو الاقتصادي وضرورة رفع مستوى معيشة المواطن وتحقيق قفزات اقتصادية والتأسيس للعدالة الاجتماعية([21]).
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي تتكاثر التحديات التي تقوض وتحد من عملية البناء والتنمية، لذا سنعرض في الجزء التالي بعض التحديات الإقليمية والدولية الهامة التي تلقي بظلالها على الاستقرار الإقليمي والدولي.
تمثل ظاهرة هشاشة إقليم الشرق الأوسط إحدى التحديات الخطيرة على استقرار المنطقة، فبالرغم من سوء الأوضاع في أماكن كثيرة من العالم حلت معظم الدول العربية في مراتب متقدمة على مؤشر الدول الهشة لعام 2019م، كما يتضح بالجدول التالي، حيث جاء اليمن أولًا بين دول العالم أجمع من حيث هشاشة الدول وخطورة الأوضاع فيها، ثم جاءت الصومال وسوريا والسودان في أعلى قائمة الدول التي استوجب سوء الأوضاع فيها التحذير بدرجة عالية جدًا وفقًا للمؤشر([22]).
وقد ظهر مؤشر أو دليل الدول الهشة (الفاشلة سابقًا) منذ عام 2005م بجهود مباشرة من مجلة السياسة الخارجية (FORIGN POLICY)، والدولة الهشة وفقًا للمجلة هي “الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها وعادة ما تلجأ للقوة، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، وفشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وتشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعًا”([23]).
جدول رقم (1): مصفوفة الدول العربية الأكثر هشاشة 2019م([24])
كما يمثل الإرهاب أحد أبرز التحديات للسلم والأمن الدوليين منذ عدة عقود، ولم تكن منطقة الشرق الأوسط بمنأى عن براثن ذلك السرطان المستشري([25])، وتشير التقارير السنوية للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب بالولايات المتحدة إلى تركز الهجمات في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث تركزت حوالي 74% من الهجمات الإرهابية في تلك المنطقتين في عام 2009م([26])، وحوالي 65% عام 2015م([27]).
ومن خلال الاطلاع على المؤشر العالمي للإرهاب الذي يصدر عن معهد الاقتصاد والسلام يتبين لنا أن هناك خمس دول إسلامية تتربع على رأس مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2017، وسُجلت فيها أكبر نسبة وفيات بسبب الإرهاب، واستحوذت هذه الدول على نسبة ثلاث أرباع نسبة الوفيات العالمية بسبب الإرهاب، وهي: العراق، أفغانستان، نيجيريا، باكستان، سوريا([28]).
جدول رقم (2): ترتيب الدول الأعلى تعرضًا للإرهاب على المؤشر العالمي للإرهاب 2017م([29])
شكل رقم (4) عدد الوفيات والهجمات في مناطق العالم الجغرافية من 2002- 2017م([30])
ومن الشكل السابق يتضح أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي أكثر مناطق العالم تعرضًا للهجمات الإرهابية، وأكثرها في أعداد الوفيات والإصابات الناتجة عن تلك العمليات، وهو ما يمثل تهديدًا بالغًا للاستقرار والأمن في المنطقة.
كما تمثل ظاهرة القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية إحدى التهديدات الاستراتيجية التي تمس أمن الإقليم أيضًا كونها إحدى أشكال الإرهاب الممنهج، والذي يمثل خطرًا داهمًا على سلامة الممرات البحرية العالمية الهامة مع ما يخلفه ذلك على انعكاسات سلبية للغاية على التجارة الدولية([31]).
وتشير الأرقام إلى وجود تركز كبير لحوادث القرصنة في العالم قبالة السواحل الصومالية، حيث أشار تقرير لـ”قسم الإحصائيات لمكتب النقل الأميركي” إلى أن عدد حوادث القرصنة قبالة السواحل الصومالية عام 2008م قد شكل نسبة 44% من مجموع حوادث القرصنة حول العالم، والتي بلغت 306 أحداث في ذلك العام، وأن حوادث القرصنة قبالة السواحل الصومالية في هذه السنة تزيد عن مثلها في عام 1998م بنسبة تتجاوز 605%([32]).
وإذا ما نظرنا بعين فاحصة إلى الجدولين (1) و(2) نجد أن دولتي اليمن والصومال تحتلان المركز الأول والثاني عالميًا وعربيًا على مؤشر الدول الهشة لعام 2019م، كما تحتلان أيضًا المرتبة السادسة والسابعة عالميًا في ترتيب الدول الأعلى تعرضًا للإرهاب على المؤشر العالمي للإرهاب 2017م، بالإضافة إلى تركز ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية في منطقة القرن الإفريقي، وتشكل تلك التهديدات العديد من الأبعاد السياسية والاستراتيجية، ولعل من أهمها تهديد الملاحة البحرية من خلال مضيق باب المندب، الذي تكمن أهميته الاستراتيجية في ربط المحيط الهندي جنوبًا بالبحر المتوسط شمالًا من خلال قناة السويس التي زادت من أهميته الاستراتيجية منذ افتتاحها عام 1869م، ويخدم المضيق التجارة الدولية وخاصة النفط، حيث تعبر من خلاله 25- 30 سفينة يوميًا([33]).
بالإضافة إلى تهديد الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر بشكل عام وقناة السويس بشكل خاص كممر لنفط الخليج والأمن القومي العربي، حيث يعد البحر الأحمر الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا، التي تحتاج إلى نقل حوالي 60% من احتياجاتها للطاقة عبر هذا البحر، وأيضًا نقل حوالي 25% من احتياجات الولايات المتحدة الأميركية من النفط العربي؛ ولذا فإن للبحر الأحمر أهمية كبيرة للأمن العربي سواء على المستوى القومي أو القطري للدول العربية المطلة عليه([34]).
مما لا شك فيه أن الإنفاق على التسلح يعد أحد أهم الأولويات الوطنية من أجل تحسين وتحديث القدرات العسكرية للدولة في ظل التطورات الإقليمية في هذه المنطقة الهامة والحيوية من العالم، ولكن يظل التحدي الكبير في هذا الشأن هو ألا يؤثر الإنفاق العسكري على معدلات التنمية. ومن الجدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تصاعدًا كبيرًا في الإنفاق العسكرى، فنجد تصاعدًا في الإنفاق الإيراني نتيجة الصراع المستمر مع الغرب حول الملف النووي، وتصاعد الإنفاق في دول الصراع العربي-الإسرائيلي المباشر، مثل: إسرائيل وسوريا ولبنان، وغير المباشر، مثل: مصر، وكذلك دول الخليج شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الإنفاق وعلى رأسها السعودية، التي تحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين، وذلك لمواجهة التهديدات والاستفزازات الإيرانية المستمرة([35]).
ويشير المعهد الدولي لبحوث السلام باستوكهولم إلى وجود 6 دول في الشرق الأوسط من البلدان العشر التي لديها أعلى معدل إنفاق عسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، حيث جاءت المملكة العربية السعودية كأعلى دولة في المنطقة بنسبة 8.8%، تلتها سلطنة عمان 8.2%، ثم الكويت 5.1%، ثم لبنان 5%، ثم الأردن 4.7%، ثم إسرائيل 4.3%([36]).
يوجد بالمنطقة عدد من القوى المتآمرة التي تعمل على افتعال المشاكل وزرع الفتن لجيرانها، وتشكل سياساتها خطرًا دائمًا على أمن واستقرار الإقليم، ولعل أبرز تلك القوى هي:
لا يتوقّف التهديد الإسرائيلي على دولة فلسطين واغتصاب أراضيها وحقوقها وتشريد أهلها، ولا على اعتداءاتها المتكررة على البلدان العربية المجاورة، ولا على التهديد النووي (هددت إسرائيل باستعمال أسلحة نووية ضد العرب، واتخذت إجراءات تعبوية لذلك في 8 أكتوبر 1973م، ووجهتها ليس فقط إلى أهداف عسكرية مصرية وسورية، ولكن هددت أيضًا باستخدامها ضد مدن عربية كالقاهرة ودمشق)([37])، ولكن يمتد تهديدها أيضًا إلى ما هو أخطر من ذلك، وهو ما يصفه المحللون بـ”الاستثمار السري لدولة إسرائيل”، حيث تزرع الفتنة الطائفية وتدعم الحروب الأهلية في دول المنطقة.
وتمثل الحقبة التاريخية الحالية العهد الذهبي الاستراتيجي لإسرائيل في ظل كونها المستفيد الأكبر من الانهيار العربي غير المسبوق، فعندما ينظر الجيش الإسرائيلي حوله يرى واقعًا استراتيجيًا لا مثيل له منذ قيام الدولة، وذلك في ظل انهيار جيوش عربية نظامية كانت تشكل تهديدًا لها منذ إنشائها، فقد تبدد الجيش العراقي، وانتهى التهديد العسكري السوري، وعزلت حماس عن محيطها، ولا توجد أي ملامح تشير إلى قرب قيام ائتلاف عربي قوي.
ولن يغفل عن أي متتبع للأحداث الدور الكبير لإسرائيل في إشعال الأوضاع في المنطقة، حيث استغلّت التنوّع الطائفي والعرقي في البلدان العربية لكي تمارس هوايتها في زرع الفتنة وتأليب شعور الأقليات بالظلم، كما حدث في لبنان، وكما كان لها الدور الأكبر في تشجيع دولة جنوب السودان على الانفصال، وحتى في المغرب سعت إلى توطيد علاقاتها مع بعض الأطراف الأمازيغية، وعقد تحالفات مع أقليات في دول أخرى، مثل: الأكراد والدروز في العراق وسوريا، بالإضافة إلى سعيها الدائم في سبيل التضييق على المصادر المائية العربية، ولعل دعم تل أبيب لإثيوبيا في أزمتها مع مصر أكبر شاهد على هذا الأمر([38]).
كما ذكرنا آنفًا عن خطورة الوضع الإسرائيلي في المنطقة، فلن يتغير الحال كثيرًا إذا ما تحدثنا عن إيران بما تقوم به من زرع الفتن والقلاقل في العديد من دول الجوار، مثل: العراق، وإشعال الحرب في أخرى كسوريا واليمن، بهدف حصار دول الخليج وخدمة مشروعها الخبيث المعني بتصدير الثورة الإيرانية ونشر المد الشيعي بالمنطقة، بالإضافة إلى تهديداتها بالانتشار النووي وأسلحة الدمار الشامل، وثمة مخاوف من انتشار نووي في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يضع الأمن الخليجي والكويتي في مرمى نيران التهديدات الإيرانية، وهي أمور تحتاج إلى تغيير في العقيدة الأمنية والمخططات الاستراتيجية لدولة الكويت والخليج ككل.
فضلا عن المخاطر العديدة التي تهدد دول المنطقة نتيجة للتصعيد الأميركي الإيراني المستمر، وهذه الأزمات لها العديد من التداعيات الاقتصادية، بالإضافة إلى وضع دول الخليج المحيطة بإيران على خط المواجهة، فما يثير المخاوف هو أن ينشب نزاع عسكري في المنطقة، وأن تطال دول الخليج ردة فعل انتقامية غادرة من الجانب الإيراني، أو انزلاق المنطقة في صراع مسلح يكون أحد أطرافه إحدى الدول العربية([39]).
هذا إلى جانب تهديدات السحب الجائر من حقول الغاز أو النفط المشتركة مع دول عربية، مثل: العراق، وقطر في حقل “الشمال” الذي تسميه إيران “جنوب فارس”، ومع السعودية والكويت في الحقل المشترك “الدرة”، الذي تسميه إيران “أراش” لإصباغ الصفة الإيرانية الفارسية على تلك المسميات، كما تدعي إيران أن الخليج العربي (الفارسي كما تسميه) يتشاطأ جانبه الغربي والشمالي مع دول مجلس التعاون الخليجي والعراق، بينما تسيطر هي وحدها على كل الشاطئ الشرقي، وبناء على هذا الادّعاء ترى طهران أنه يجب أن تكون لها اليد العليا في المنطقة(.([40]
كما يواجه مضيق هرمز والخليج العربي تهديدًا مستمرًا منذ الثورة الإيرانية عام 1979م، سواء تهديدات للسيادة بالاستيلاء على الجزر الإماراتية، أو التلويح الدائم بالقوة العسكرية، أو التدخل في الشؤون الداخلية لدول الحوض العربية، إلى جانب التهديد الدائم بإغلاق مضيق هرمز بإغراق عدة سفن فيه، وإمكانية تكرار ذلك لإطالة مدة تطهيره ومن ثم إعادة فتحه، وهو المضيق هرمز الذي يشاطئ كلا من إيران شمالًا وسلطنة عمان جنوبًا، وتبلغ سواحل دوله المتشاطئة كم كالآتي: إيران (625)، الإمارات (425)، السعودية (294)، البحرين (68)، الكويت (115)، عمان (51)، العراق (10) كم، وتكمن أهميته الاستراتيجية في أنه يعبر من خلاله حوالي 40% من إنتاج النفط العالمي، بمعدل سفينة كل 6 دقائق في وقت الذروة، كما أنه المنفذ البحري الوحيد لكل من العراق والكويت والبحرين وقطر([41]).
لا يزال من الصعب الاتفاق على قائمة مواصفات تتأسس عليها الكيانات الإقليمية أو تشكل فرصًا استراتيجية لتكوينها، ولكن هذا لا يعني أن هذه الكيانات تنشأ بصورة تلقائية أو ارتجالية، وإنما عندما تتوفر عدة فرص ومقومات، يأتي في مقدمتها الجوار الجغرافي، واللحمة الثقافية واللغوية، وتشابه النُظم الدينية، ووحدة واتساق التاريخ، وحاجات واهتمامات اقتصادية منسجمة ومُتسقة، ومؤسسات سياسية واجتماعية متُشابهة([42])، ومن هذا المنطلق سنستعرض في هذا الجزء تلك الفرص والتي تعد بمثابة الدعائم التي قد تساند تكامل الرؤى بين البلدين.
يمثل الموقع الجيواستراتيجي لمصر والكويت أبرز الفرص التي يجب اقتناصها في سبيل تحقيق التكامل بين البلدين، فبالتركيز على إحداثيات الخريطة الجيواستراتيجية للشرق الأوسط نجد أن الكويت تقف على بوابة الإقليم الشرقية بالشراكة مع دول الخليج العربي في مواجهة التهديد الفارسي، في حين تتمركز مصر في قلب الإقليم على خط المواجهة مع العدو الأول للعرب إسرائيل، تلك الإحداثيات المشتركة من حيث التمركز في مواجهة تهديدات الإقليم تدفع كلا البلدين نحو ضرورة التكامل.
وإذا ما نظرنا إلى الأهمية الجيواستراتيجية لدولة الكويت نجد أنها تمثل واحدًا من أهم الطرق المائية والبحرية وملتقى حضارات الشرق القديم، ونقطة اتصال وثيقة بين شرق العالم وغربه، ولقد تزايدت تلك الأهمية بعد اكتشاف النفط كسلعة استراتيجية هامة، وما تمثله ثروات الكويت النفطية والغازية من مصدر رئيسي لتغذية الطاقة على مستوى العالم، ولذلك كانت دولة الكويت على الدوام مطمَعًا لكثير من الدول العظمى، وحتى لبعض جيرانها الإقليميين لما تتمتع به من موقع استراتيجي مميز([43]).
وتقع دولة الكويت شمال شرق شبه الجزيرة العربية في أقصى شمال الخليج العربي، ويحدها من الشمال والغرب جمهورية العراق، ومن الجنوب المملكة العربية السعودية، ومن الشرق الخليج العربي، ويبلغ طول الشريط الساحلي 325 كم، وتضم الكويت 9 جزر في الخليج العربي، وتعد أحد أهم منتجي ومصدري النفط في العالم، حيث يمثل النفط والمنتجات النفطية ما يقرب من 87% من عائدات التصدير و80% من العائدات الحكومية، وتهدف دولة الكويت إلى القيام بدور جديد في التجارة الدولية وخصوصًا في مجال التجارة بين شرق آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، وتحاول أن تجعل اقتصادياتها أكثر تنوعًا بدلًا من الاعتماد الرئيسي على موارد النفط([44]).
وتعد الكويت من البلدان ذات الدخل المرتفع بحسب تصنيف البنك الدولي، وتعود أسباب تلك القوة الاقتصادية إلى ضخامة الناتج المحلي الإجمالي 167.9 مليار دولار، ونصيب الفرد المرتفع من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ قرابة 45.455 دولار أميركي في عام 2011([45]).
وكان اكتشاف النفط سببًا رئيسيًا في أن تحتل منطقة الخليج العربي ودولة الكويت مكانتها البارزة في جدول أولويات السياسة الاستراتيجية الغربية، فكثرت مصالح القوى الكبرى في المنطقة وهو ما دعاها لإقامة قواعدها العسكرية والبحرية لتأمين مصالحها الحيوية، بالإضافة إلى الأساطيل العسكرية القابعة بالمنطقة نظرًا لقربها من مناطق الصراعات الإقليمية، كالوضع في العراق والصراع العربي الإسرئيلي، وأيضًا ما يخص الجهد الأميركي لمراقبة البرنامج النووي الإيراني، كل ذلك وغيره جعل لدول الخليج أهمية كبرى، مما أدى لربط أمن الخليج العربي بأمن القوى الخارجية التي ترى أن المحافظة على مصالحها في الخليج العربي هو امتداد مباشر لأمنها القومي([46]).
أما فيما يتعلق بالأهمية الجيواستراتيجية لمصر، فهي تتمتع بموقع جيواستراتيجي مميز مكنها من أداء دور هام في صياغة السياسات الإقليمية والدولية حربًا وسلمًا، وأعطاها مكانة فريدة في ملتقى قارات العالم القديم: إفريقيا وآسيا وأوروبا، وتعد مصر أحد أهم ممرات التجارة العالمية بين الشرق والغرب، حيث يوجد بها عدد من القنوات والطرق والممرات الملاحية والنهرية، مثل: نهر النيل، كما يوجد بها عدد من الموانئ البحرية المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط وخليجي السويس والعقبة، والتي تصل إلى 60 ميناءً بحريًا تساعد على تنشيط التجارة الخارجية لمصر، وتعد حلقة من حلقات النقل المتكامل بين النقل النهري والبحري، وقد ساهمت قناة السويس بدور كبير في دعم مكانة الموقع الجغرافي المصري، ومنذ إنشائها أصبحت أهم طريق شرياني في العالم للتجارة الخارجية والملاحة البحرية عمومًا، حيث تمثل همزة الوصل بين الشرق والغرب كونها توفر نحو 40% من طول ونفقات الرحلة بين شرق آسيا وأوروبا([47]).
تعد مصر من أكثر الدول الإفريقية سكانًا، كما أنها تحتل المركز الأول عربيًا والمركز الـ 16 عالميًا من حيث عدد السكان، والمركز الـ 24 من حيث الكثافة السكانية([48])، كما لديها فرصة متميزة للغاية كونها دولة شابة، حيث يبلغ تعداد السكان بها ممن دون الـ 30 عامًا 61% من إجمالي السكان، وتعتبر القوة البشرية عاملًا أساسيًا في منح عناصر القوة للدولة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العسكري([49]).
ويعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على قطاع الخدمات وعوائد النفط والإنتاج الزراعي والصناعات التحويلية، وكذلك تتمتع بتواجد مصدر هام للدخل متمثلًا في السياحة التي تعد أحد الركائز الأساسية للدخل القومي، حيث تضم مصر أكثر من ثلث آثار العالم القديم، الأمر الذي يجعل الاقتصاد المصري اقتصادًا متنوعًا، ويحمي هذا التنوع الاقتصاد المصري من التأثير السلبي للصدمات التي قد تصيب قطاعًا من هذه الخدمات، كما أنه يتيح لمصر فرصة أكبر في المشاركة والاندماج في سلاسل الإنتاج والقيمة على المستوى العالمي([50]).
وتعد مصر عنصرًا فاعلًا على المستويين الإقليمي والعالمي، فضلًا عن كونها من اللاعبين الكبار بمنطقة الشرق الأوسط بتاريخه المعقد؛ نظرًا للدور الهام الذي قامت به مصر عبر تاريخها الممتد، سواء في مساعدة الدول العربية في الحصول على استقلالها، أو من خلال تأييد النظم العربية في تحقيق الاستقرار الداخلي بها، أو من حيث مشاركتها في الحروب العربية الإسرائيلية أعوام 1948 و1967 و1973، بالإضافة إلى مساهمتها في حرب تحرير الكويت 1991م، ودائمًا ما كانت مصر في صلب المقولة الإقليمية التي مفادها “لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا”([51]).
يلاحظ أن معظم نماذج التكامل الإقليمي المطروحة على المنطقة لم تبدِ اهتمامًا بتعزيز التعاون العلمي مع الشركاء العرب خلافًا لما هو متاح لإسرائيل، التي سُمح لها بالمشاركة في البرامج الإطارية للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي الأوروبي منذ عام 1996، وأصبحت بذلك الدولة الوحيدة غير الأوروبية التي لها الحق في الانتفاع بنتائج البحث العلمي الأوروبي، والاستفادة من التمويل الأوروبي المباشر لمؤسساتها وباحثيها، ويبلغ التمويل الأوروبي المتاح للبرنامج الإطاري نحو 80 مليار يورو، كما سمح لإسرائيل المشاركة في مراكز الأبحاث الأوروبية المشتركة وأنشطة هيئة الطاقة الذرية الأوروبيةEUROATOM) )، وفي برامج ثنائية وإقليمية أخرى([52]).
ومن جانب آخر أرست الولايات المتحدة الأميركية صلات بحثية معززة مع إسرائيل عبر أكثر من 40 اتفاقية قطاعية فنية وعلمية سمحت بمشاركة إسرائيل في مجالات بحثية عديدة منها الأمن النووي؛ ولذا فإنه من أهم الدواعي التي تجعلنا نفكر في عملية التكامل الثنائي بل وعلى المستوى العربي ككل أيضًا هي ضرورة الاعتماد على الذات، والبناء الذاتي لمواجهة سياسات الغرب التمييزية والتفضيلية للكيان الصهيوني([53]).
يمكن اعتبار الإنفاق على الاستثمارات والتجارة والمساعدات وتحويلات العمالة والسياحة البينية إنفاقًا داخليًا؛ أي داخل الوطن العربي الكبير، ولذلك فإن أي مبالغ يصرفها السياح أو المستثمرون في هذا الإطار لا ينبغي اعتبارها هدرًا للثروة الوطنية، إذ إنها تحقق زيادة في الدخل الوطني لدول عربية بطرق مباشرة وغير مباشرة، وما يرتبط بذلك من تنمية اقتصادية واجتماعية وكذا تحسين ميزان المدفوعات لكلا البلدين الشقيقين، وهذا في حد ذاته شكل مهم من أشكال التكامل الاقتصادي([54]).
كما أن التكامل الاقتصادي البيني يقلل من مخاطر التقلبات الدولية الأجنبية وخصوًصا تلك التي تتعلق بقرارات سياسية تستهدف الضغط الاقتصادي على البلدين، ويكون أكثر مرونة إذا ما أحسن التنسيق والتعاون المشترك، ويشجع كذلك على جذب المزيد من الاستثمارات العربية المشتركة خصوصًا في المشروعات الكبرى، فضلًا عن جذب جزء مهم من الأموال العربية المهاجرة([55]).
شكلت وحدة الهوية بما تحمله من لغة مشتركة كمًّا هائلًا من التفاعلات بين مصر والكويت، كما أن جزءًا كبيرًا من العمالة المصرية في الكويت يدين بالفضل للغة المشتركة التي تسهل انتقالها، بالإضافة إلى وحدة الدين والعقيدة والتقارب الثقافي التاريخي، فلقد كانت مصر بثقافتها وأدبها وعلمائها وكتابها وفنانيها موضع اهتمام كل أدباء الكويت ومثقفيها منذ اللحظات الأولى لنشأة الثقافة والفكر في دولة الكويت، ولعل أهم ما يربط البلدين هي لحمة الحضارة العربية وما يكمن فيها من مزيج حضاري فريد يجب استثماره كأساس متين للتكامل([56]).
كل ما سبق يعد من الفرص الاستراتيجية التي شكلت في مجملها كمًّا هائلًا من الدعائم القوية التي يجب اقتناصها، وهي التي نبني عليها وجهة نظرنا في تكامل رؤية مصر والكويت، وليس هذا فحسب بل أيضًا تميز العلاقات المصرية الكويتية بشقيها الرسمي والشعبي، وما تحمله من مشاعر ود واحترام متبادل تمثل نموذجًا حيًا لما يجب أن تكون عليه العلاقات العربية، وتشكل حافزاً لإحياء العمل العربي المشترك.
جدل الوطنية والقطرية والجغرافيا والتاريخ.. طوب الوحدة العربية وملاطها([57]):
ولن نجد في نهاية هذا الجزء من فرص ودعائم التكامل بين مصر والكويت أفضل مما قاله المفكر الكبير جمال حمدان في هذا الشأن: “إذا كانت بعض البلاد مثل الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت وحدتها لأنها-كما قيل- قد تجاهلت عمدًا وعن قصد كل الجغرافيا وكل التاريخ، وإذا كانت بلاد أخرى مثل كندا تعاني وحدتها لأنها تتذكر الجغرافيا أكثر مما ينبغي وتتذكر التاريخ أقل مما ينبغي، وإذا كانت بلاد أخرى مثل غرب أوروبا تتعثر وحدتها لأنها تتذكر كثيرًا جدًا من التاريخ وقليلًا جدًا من الجغرافيا، إذا كان هذا فإننا في الوطن العربي يمكن أن تنجح وحدتنا أكثر كلما تذكرنا الجغرافيا والتاريخ معًا أكثر وأكثر، لأن التاريخ يجمعنا مثلما تفعل الجغرافيا، والمكان والزمان عوامل وحدة بيننا، بل وربما جاز لنا أن نقول إن الجغرافيا والتاريخ هما طوب وحدتنا العربية وملاطها، أو هما لحمتها والسداة”. |
قراءة في أولويات رؤية (الكويت 2035، مصر 2030)
سنتناول هذا المحور من خلال مسارين رئيسيين وهما: عرض أولويات رؤى التنمية المستدامة، والمسار الثاني سنخصصه لنقد تلك الأولويات.
أولًا-رؤى التنمية المستدامة.. قراءة في الأولويات
سنتناول أولويات رؤى التنمية المستدامة على ثلاثة مستويات، بحيث يمثل المستوى الأول التنمية المستدامة عالميًا، والثاني رؤية الكويت 2035، والثالث رؤية مصر 2030، وفيما يلي توضيح للمستويات الثلاث.
أصدرت الأمم المتحدة في 1 يناير 2016 سبعة عشر هدفًا للتنمية المستدامة تحت اسم “17 هدفًا لتحويل العالم”، وأطلقت هذه الأهداف لتكون بمثابة الأساس الذي تُبنى عليه خطط التنمية المستدامة على المستويات القطرية من أجل تحقيق مستقبل أكثر استدامة للجميع، وللتأكد من ألا يتخلف أحد عن الركب أوصت الأمم المتحدة بضرورة تحقيق كل هدف من الأهداف بحلول عام 2030م، وبالرغم من أن هذه الأهداف ليست ملزمة لأحد إلا أنها تعد أهدافًا مثالية وفعّالة جذبت انتباه الحكومات سعيًا وراء تحقيقها، وتضمن تلك الأهداف بين طياتها 169 غاية([58])، وتمثلت تلك الأهداف فيما يلي:
تهدف رؤية الكويت 2035 إلى تحويل الدولة إلى مركز مالي وتجاري، والتخلي تدريجيًا عن اقتصاد النفط، ومن أجل تحقيق ذلك نفذت الدولة عددًا من المشاريع الضخمة التي تُشيد في كل المناطق، تحاول من خلالها عبر رؤية بعيدة المدى أن تحجز مكانًا على الخارطة الاقتصادية العالمية، وتستعد لزمن ما بعد النفط، وتتضمن الرؤية 5 أهداف استراتيجية و7 ركائز تتحقق من خلال 164 مشروعًا تنمويًا بينها 30 مشروعًا استراتيجيًا([59])، وتنص رؤية الكويت 2035 على ما يلي:
“جعل دولة الكويت مركزًا ماليًا وتجاريًا جاذبًا للاستثمار، تذكى فيه روح المنافسة، وترفع كفاءة الإنتاج، ويقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي، في ظل جهاز دولة مؤسسي داعم، يرسخ القيم، ويحافظ على الهوية الاجتماعية، ويحقق التنمية البشرية والتنمية المتوازنة، ويوفر بنية أساسية ملائمة وتشريعات متطورة وبيئة أعمال مشجعة”([60]).
تم وضع برنامج من أجل حصول دولة الكويت على مكانة دولية متميزة، والتي تهدف لتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية بما يعزز مساهمة الدولة إنمائيًا على المستوى العالمي والإقليمي، إلى جانب دورها في تخفيف معاناة الشعوب، وذلك باستخدام أدوات متعددة منها “الصندوق الكويتي للتنمية”، وأشكال التعاون الإنمائي الأخرى للوصول إلى توازن السياسة الخارجية بما يحقق مصالح الدولة ويعزز السلام والنماء العالميين والإقليميين، وتتضمن هذه الركيزة برنامجين رئيسيين هما: تعزيز صورة الكويت، ودعم الثقافة والإعلام.
ويمكن تلخيص هذه الركيزة في النقاط التالية:
يقاس تحضّر الدول ومدى تقدمها باهتمامها بالبنية التحتية، حيث تعد العمود الفقري والعامل الأساسي الذي تعتمد عليه الاستثمارات والمشاريع الكبرى التي تساهم في تنمية المجتمع وتوفر مناخًا صحيًا وآمنًا للفرد والمجتمع؛ لهذا السبب وضعت دولة الكويت جّل اهتمامها لتطوير البنية التحتية وتحديثها من أجل تحسين جودة الحياة لجميع المواطنين، وتتضمن هذه الركيزة البرامج التالية: تطوير منظومة النقل البري، تطوير منظومة النقل البحري، تطوير منظومة النقل الجوي، تطوير منظومة الكهرباء والماء، ومنظومة البنية التحتية المعلوماتية.
ووضعت الكويت عددًا من المشاريع لتحقيق تلك الركيزة، منها:
تطوير المدرج الشرقي في المطار الدولي، مشروع توسعة مطار الكويت مبنى الركاب، ميناء مبارك الكبير، الطريق الإقليمي، شركة السكك الحديدية، جسر الشيخ جابر الأحمد، أنظمة النقل السريع– مترو الكويت، مشروع محطة الزور الشمالية لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، مشروع محطة لتوليد الطاقة الكهربائية تعمل بالدورة المدمجة، وأخيرًا مشروع شركة المستودعات العامة والمنافذ الحدودية في منطقة العبدلي.
يعد الشباب صمّام الأمان وقوة الأوطان وعُدَّة الأمم وثروتها وقادة المستقبل فيها، لهذا السبب كان هناك رؤية لاستثمار الشباب وطاقاتهم للحصول على رأس مال بشري إبداعي، وذلك لا يتحقق إلا من خلال إصلاح نظام التعليم لإعداد الشباب بصورة أفضل ليصبحوا أعضاء يتمتعون بقدرات تنافسية وإنتاجية لقوة العمل الوطني، وتم تحديد عدد من البرامج لهذه الركيزة، وهي: برنامج جودة التعليم بشقيه الجامعي وما قبل الجامعي، برنامج الأمن والسلامة، برنامج رعاية وتمكين الشباب، برنامج إصلاح اختلالات سوق العمل، برنامج إصلاح رعاية ودمج ذوي الإعاقة، برنامج تحسين مستوى خدمات رعاية المسنين، برنامج التماسك الاجتماعي، ومن المتوقع بأن هذه البرامج سوف تحقق العديد من الأهداف المهمة، وأبرزها:
تسعى دولة الكويت إلى إصلاح الممارسات الإدارية لتعزيز معايير الشفافية والمساءلة الرقابية، وفاعلية الجهاز الحكومي من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية، ورفع مستوى وأداء القطاع الحكومي التي تقدم الأعمال والخدمات المعلوماتية، وقد وضعت خطة وطنية لاستمرارية الأعمال وإدارة الأزمات والكوارث لمواجهة حدوث أي حالات طارئة أو كوارث طبيعية تؤدي إلى انقطاع الأعمال أو الخدمات المعلوماتية، وتتلخص برامج تطوير القطاع الحكومي في: مراجعة المخطط الهيكلي للدولة وتحديثه، وبرنامج تطوير الحكومة الإلكترونية، ومن خلال هذه البرامج سيتم تطوير عدد من المجالات في القطاع الحكومي في المرحلة القادمة، وهي:
تسعى وزارة الصحة إلى تطوير نظام الرعاية الصحية والانتقال بالنظام الصحي الكويتي من مرحلة علاج الأمراض وتوفير الأدوية والمعدات الطبية إلى مرحلة الوقاية من الأمراض والتصدي لعوامل الخطورة بمراحلها المبكرة، وإجراء الفحوصات الصحية بهدف الاكتشاف المبكر للأمراض قبل حدوثها، وخفض معدّل وفيات الأطفال والوصول بعمر الإنسان إلى 80 عامًا، وتطوير نظام الرعاية الصحي الوطني ليكون قادرًا على معالجة المشكلات الصحية وبناء مجتمع صحي يضمن تمتّع جميع أفراده بحياة صحية سليمة لجميع الأعمار بهدف تحسين الوضع التنافسي للكويت، وجعلها في مصاف الدول التي تتميز بمعدلات نمو مستدامة.
أصبحت التطلعات هدفًا وطنيًا ملحًا يجب تحقيقه ضمن برنامج وطني طموح، خصوصًا أن المؤشرات الصحية الدولية أكدت سعي البلاد ضمن منظومتها الصحية إلى تنفيذ البرامج والخطط العالمية للتنمية المستدامة وفق برنامج تنموي محدّد، لذلك وضعت الوزارة مؤشرات لسلامة تحقيق تطلعاتها من خلال تحقيق ثلاثة برامج، وهي:
يعد دعم وتطوير القطاعات الاقتصادية الوطنية المنتجة من أوليات العمل الحكومي حاليًا في الكويت للوصول إلى اقتصاد معاصر يرتكز على التنوّع والاستدامة، وذلك ضمن خطة الإصلاح الاقتصادي الهيكلي التي رسمت الحكومة ملامحها في ركيزة الاقتصاد المتنوع المستدام وفق رؤية الكويت الجديدة 2035م.
ويعد تحقيق هدف الاقتصاد المتنوع المستدام مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف المعنية بعملية التنمية من حكومة وبرلمان وقطاع خاص انتهاء بالمواطن نفسه، ووضعت الدولة مجموعة برامج مختلفة لتحقيق الأهداف المرجوة، وهي:
ومن خلال هذه البرامج من المتوقع بأن تساهم في استدامة الاقتصاد عبر:
يعد توفير الرعاية السكنية للمواطن الكويتي من صميم رؤية الكويت الجديدة 2035 من خلال إنشاء وتوزيع آلاف المنازل والشقق السكنية في مختلف مناطق البلاد، وجعلت هذا الهدف أولية حكومية بارزة تمثلت في مشاريع المدن الإسكانية الضخمة القائمة، بالإضافة إلى خلق بيئة معيشية نظيفة ومتطورة للأجيال القادمة، حيث رصدت الدولة برامج من أجل توفير بيئة معيشية مستدامة، وهذه البرامج هي:
قدمت الحكومة المصرية “رؤية مصر 2030” باعتبارها استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة لعام2030، وهي بمثابة المظلة الوطنية التي سيتم من خلالها تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وتتضمن هذه الرؤية 45 هدفًا استراتيجيًا و169 مؤشرًا لقياس الأداء، وتتولى وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري مسؤولية التخطيط والتنسيق والمتابعة بصفة عامة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية([75])، وتنص رؤية مصر 2030 على ما يلي:
“أن تكون مصر بحلول عام 2030 ذات اقتصاد تنافسي ومتوازن ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة، قائمة على العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة، ذات نظام إيكولوجي متزن ومتنوع، تستثمر عبقرية المكان والإنسان لتحقق التنمية المستدامة وترتقي بجودة حياة المصريين. كما تهدف الحكومة من خلال هذه الاستراتيجية أن تكون مصر ضمن أفضل 30 دولة على مستوى العالم من حيث مؤشرات التنمية الاقتصادية، ومكافحة الفساد، والتنمية البشرية، وتنافسية الأسواق، وجودة الحياة”([76]).
– البعد الاقتصادي
يشتمل هذا البعد على 4 محاور رئيسية، وهي:
تتمثل الرؤية الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية في مصر حتى عام 2030 في أن يكون الاقتصاد المصري اقتصاد سوق منضبطًا يتميّز باستقرار أوضاع الاقتصاد الكلي، وقادرًا على تحقيق نمو احتوائي مستدام، ويتميّز بالتنافسية والتنوّع، ويعتمد على المعرفة، ويكون لاعبًا فاعلًا في الاقتصاد العالمي، قادرًا على التكيّف مع المتغيّرات العالمية وتعظيم القيمة المُضافة، وتوفير فرص عمل لائقة، ويصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع، وقد وضعت عددًا من الأهداف الاستراتيجية لتحقيق هذا المحور، وهي:
بحلول عام 2030 يكون قطاع الطاقة قادرًا على تلبية كافة متطلبات التنمية الوطنية المستدامة من موارد الطاقة، وتعظيم الاستفادة من مصادرها المتنوعة التقليدية والمتجدّدة، بما يؤدي إلى المساهمة الفعّالة في دفع الاقتصاد والتنافسية الوطنية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة، مع تحقيق ريادة في مجالات الطاقة المتجدّدة والإدارة الرشيدة والمستدامة للموارد، ويتميّز بالقدرة على الابتكار والتنبؤ والتأقلم مع المتغيّرات المحلية والإقليمية والدولية في مجال الطاقة، وذلك في إطار مواكبة تحقيق الأهداف الدولية للتنمية المستدامة، وتتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية لهذا الهدف فيما يلي:
يكون المجتمع المصري بحلول عام 2030 مجتمعًا مبدعًا ومبتكرًا ومنتجًا للعلوم والتكنولوجيا والمعارف، ويتميز بوجود نظام متكامل يضمن القيمة التنموية للابتكار والمعرفة، ويربط تطبيقات المعرفة ومخرجات الابتكار بالأهداف والتحديات الوطنية، وتتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية لهذا الهدف فيما يلي:
بحلول عام 2030 يكون هناك جهاز إداري كفء وفعّال، يحسن إدارة موارد الدولة، ويتسم بالشفافية والنزاهة والمرونة، يخضع للمساءلة، ويعلي من رضا المواطن ويتفاعل معه ويستجيب له، وتتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية لهذا الهدف فيما يلي:
يشتمل هذا البعد على 4 محاور رئيسية، وهي:
تتمثل الرؤية الاستراتيجية للعدالة الاجتماعية حتى عام 2030 في بناء مجتمع عادل متكاتف يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبأعلى درجة من الاندماج المجتمعي، مجتمع قادر على كفالة حق المواطنين في المشاركة والتوزيع العادل في ضوء معايير الكفاءة والإنجاز وسيادة القانون، ويحفز فرص الحراك الاجتماعي المبني على القدرات، ويوفِّر آليات الحماية من مخاطر الحياة، ويقوم على التوازي بمساندة شرائح المجتمع المهمشة ويحقق الحماية للفئات الأولى بالرعاية، وتتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية لهذا الهدف فيما يلي:
أن يتمتع كافة المصريين بحياة صحية سليمة آمنة من خلال تطبيق نظام صحي متكامل يتميز بالإتاحة والجودة وعدم التمييز، وقادر على تحسين المؤشرات الصحية عن طريق تحقيق التغطية الصحية والوقائية الشاملة والتدخل المبكر لكافة المواطنين بما يكفل الحماية المالية لغير القادرين، ويحقق رضاء المواطنين والعاملين في قطاع الصحة لتحقيق الرخاء والرفاهية والسعادة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولتكون مصر رائدة في مجال الخدمات والبحوث الصحية والوقائية عربيًا وإفريقيًا، تتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية فيما يلي:
تستهدف الرؤية الاستراتيجية للتعليم حتى عام 2030 إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون التمييز، وفي إطار نظام مؤسسي وكفء وعادل ومستدام ومرن، وأن يكون مرتكزًا على المتعلم والمتدرب القادر على التفكير والمتمكن فنيًّا وتقنيًّا وتكنولوجيًّا، وأن يساهم أيضًا في بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكانياتها إلى أقصى مدى لمواطن معتز بذاته، ومستنير، ومبدع، ومسؤول، وقابل للتعددية، يحترم الاختلاف، وفخور بتاريخ بلاده، وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على التعامل تنافسيًا مع الكيانات الإقليمية والعالمية، وتتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية فيما يلي:
بحلول عام 2030 يكون هناك منظومة قيم ثقافية إيجابية في المجتمع المصري تحترم التنوع والاختلاف، وتمكين المواطن المصري من الوصول إلى وسائل اكتساب المعرفة، وفتح الآفاق أمامه للتفاعل مع معطيات عالمه المعاصر، وإدراك تاريخه وتراثه الحضاري المصري، وإكسابه القدرة على الاختيار الحر، وتأمين حقه في ممارسة وإنتاج الثقافة، على أن تكون العناصر الإيجابية في الثقافة مصدر قوة لتحقيق التنمية، وقيمة مضافة للاقتصاد القومي، وأساسًا لقوة مصر الناعمة إقليميًّا وعالميًّا، وتتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية لهذا الهدف فيما يلي:
بحلول عام 2030 يكون البعد البيئي محورًا أساسيًا في كافة القطاعات التنموية والاقتصادية بشكل يحقق أمن الموارد الطبيعية ويدعم عدالة استخدامها والاستغلال الأمثل لها والاستثمار فيها، وبما يضمن حقوق الأجيال القادمة فيها، ويعمل على تنويع مصادر الإنتاج والأنشطة الاقتصادية، ومما يساهم في دعم التنافسية، وتوفير فرص عمل جديدة، والقضاء على الفقر، ويحقق عدالة اجتماعية مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة للمواطن المصري، وتتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية لهذا الهدف فيما يلي:
بحلول عام 2030 تكون مصر بمساحة أرضها وحضارتها وخصوصية موقعها قادرة على استيعاب سكانها ومواردها في ظل إدارة تنمية مكانية أكثر اتزانًا وتلبي طموحات المصريين وترتقي بجودة حياتهم. وتتلخص أهم الأهداف الاستراتيجية لهذا الهدف فيما يلي:
سنلقي في هذا الجزء الضوء على أهم ما تناولته رؤية الكويت 2035 ومصر2030 من خلال استعراض نقدي بَنَّاء نقدم فيه مجموعة من الآراء، والتي قد تنطوي على تعليقات إيجابية وسلبية بهدف الارتقاء بمعايير الأداء والمحافظة عليها من منطلق نقد الذات، فوجود الرؤى الاستراتيجية أمر يحتاج للتدقيق والمراجعة المستمرة من قبل الجميع، ابتداء من الحكومة وانتهاء بالمواطنين، ومرورًا بأصحاب الفكر والنخبة والمؤسسات ذات الصلة -خاصة على مستوى التنفيذ- بهدف التطوير وتعظيم الاستفادة وتحقيق الأهداف بالشكل الأمثل.
وفي البداية نود أن نشير إلى أن رؤيتي الكويت 2035 ومصر 2030 اختلفا في العديد من النقاط من الناحية الشكلية، وإن ظل الموضوع (المحتوى الرئيسي) متشابهًا إلى حد ما، وفيما يلي توضيح للنواحي الشكلية والتنظيمية للخطة:
وتأكيدًا لهذا الأمر فقد أوردت هيئة الأمم المتحدة في أهداف التنمية المستدامة أول أربعة أهداف لها لبناء الإنسان، وهي على الترتيب: القضاء على الفقر، القضاء التام على الجوع وتوفير الأمن الغذائي، الصحة الجيدة والرفاه، ضمان التعليم الجيد المنصف. في حين أوردت الهدف الخاص بالبنية التحتية كهدف 9 تحت مسمى “الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية”([98])؛ لذا لا بدَّ أن تعطي كلا الرؤيتين الأولوية للاستثمار في العنصر البشري، بالإضافة إلى تركيزها على تطوير البنية التحتية.
– بالرغم من إصدار رؤية الكويت 2035 برنامج إصلاح اختلالات سوق العمل ضمن ركيزة رأس مال بشري إبداعي، مستهدفًا تنظيم سوق العمل بحيث يسمح بزيادة تنافسية القوى العاملة الكويتية بما يتيح فرصة إحلالها مكان العمالة الوافدة ومشاركتها الفاعلة خاصة في القطاع الخاص، ومن أجل معالجة تلك الاختلالات طرح هذا البرنامج مشروعًا واحدًا فقط، وهو منظومة المؤهلات المهنية من أجل ضمان رفع مستوى إنتاجية العمالة في السوق الكويتي([99])– لكن في تقديرنا يعد هذا أمرًا مقتضبًا للغاية، وذلك نظرًا لكثرة التحديات التي شكلت في مجملها خللًا تامًا في تركيبة سوق العمل الكويتي، مثل:
ولذا من أجل إصلاح اختلالات سوق العمل لا بدَّ من استخدام نهج أكثر تطورًا، وإيجاد بدائل استراتيجية تقتضي البدء الفوري بوضع استراتيجية واضحة لاحتياجات كافة قطاعات الدولة والقطاع الخاص، والتنسيق مع القطاع الخاص في سياسات الموارد البشرية للقضاء على الفجوة بين القطاعين، وتغيير ثقافة العامل الكويتي بحيث ينظر إلى العمل على أنه جزء هام من هويته، ولا بدَّ من بناء مسار وظيفي قوي يجعله أكثر التزامًا بأوقات العمل ومزايا العمل، والعمل على معالجة التحديات سالفة الذكر كأولوية تنموية.
كما أن الرؤية غفلت عن وضع آلية لجذب العقول، ولهذا الأمر ضرورة ملحة نظرًا لقلة عدد السكان، وللحاجة الملحة لدولة الكويت للكفاءات ذات القدرات المتطورة القادرة على المساهمة في عملية التنمية المستدامة، فكان يجب على رؤية الكويت 2035 خلق بيئة جاذبة للكفاءات المطلوبة (سواء الأجنبية أو الوطنية المهاجرة للخارج)، وذلك من خلال تسهيل وتنمية سبـــل العيـــش ورفع درجة جودة الحياة، وافتتاح المزيد من المدارس الأجنبية الدولية، واعتماد نظام ميسر لإصدار التأشيرات وتسهيل إجراءات الإقامة، حتى تتشكل البيئة الجاذبة التي يمكن من خلالها استقطاب أفضل العقول في العالم، والاستثمار فيهم بتوفير أفضل الإمكانيات التي يمكن أن يحتاجوا إليها بما يسهم في دفع عملية التنمية.
هذا ولم تتناول رؤية الكويت 2035 قضايا المرأة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة تفكير فالمرأة جزء أساسي في معادلة بناء الإنسان ورأس المال البشري، وقد أوردت أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة هدفًا يعالج هذا الأمر، وهو الهدف الخامس الذي ينص على “تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة”.
وعلى العكس لم تخصص الرؤية المصرية ركيزة للمكانة الدولية بالرغم من إعلانها عن أن استعادة الدور والثقل على الصعيد الإقليمي والدولي هو صدر أولويات الدولة المصرية، واكتفت الرؤية بوضع هدف للأمن القومي وتبني سياسة خارجية نشطة وفعالة([103])، وكان موضعه في بداية الرؤية قبل تقسيم الأبعاد والمرتكزات، ولم تحدد لهذا الهدف آليات واضحة أو برامج ناجزة ولا حتى مؤشرات لقياس تحقيق الهدف، ونرى أنه كان من الأفضل الاهتمام بهذا الموضوع وتخصيص ركيزة أو حتى بُعد كامل للأمن القومي والسياسة الدولية، وذلك من أجل بناء القدرة على المنافسة وحماية الذات والاندماج الإيجابي مع دول العالم متسارعي الخطى.
وليس هناك دليل على أهمية القضاء على الفقر من أن الأمم المتحدة قد خصصت الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة لـ “القضاء على الفقر“؛ لأن الفقر من أهم مصادر الإجرام والانحراف، ولا يمكن أن يترك التعامل مع الفقر للجمعيات الخيرية وأهل البـــر، حيث إن حماية الدولة من الفقر هي من أهم مسؤوليات الحكومة، فهي تكون مسؤولة عن تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن الفقير، دخلًا وسكنًا وصحة وتعليمًا.
ونص “الهدف 10” في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة على “الحد من أوجه عدم المساواة”، في حين طرحت رؤية مصر 2030 بعدًا كاملًا للجوانب الاجتماعية (وهو البعد الثاني من الأبعاد الثلاثة للرؤية)، والذي اشتمل على محور العدالة الاجتماعية والذي تضمن 7 جوانب([105])، وهو أمر جيد للغاية في تناول هذا المحور، وهذه الأوجه كالتالي:
وكذلك الحال في رؤية مصر حيث عرضت الموضوع باقتضاب، ولم تقدم برامج وآليات عمل عملية لمعالجة المشكلة، والجدير بالذكر أن أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة أفردت الهدف الـ 6 لهذا الأمر، ونص الهدف على “توافر المياه النظيفة والنظافة الصحية”.
في الأخير ثمة نقطة يجب ألا يغفل عنها القائمون على تنفيذ تلك الرؤى ومتابعتها وتطويرها، وهي أن وضع رؤية استراتيجية يعد أمرًا مهمًا ولكن تظل الرؤية مجرد مجموعة من الأوراق تتضمن مجموعة من الأهداف والمؤشرات اللازمة لقياس هذه الأهداف، ويبقى الأهم هو تنفيذ هذه الرؤية ومتابعة آلياتها بطريقة تضمن تحقيق أهدافها. ولأن السير بطرق متوازية في أهداف شتى هو أمر بالغ التعقيد، فإن وجود مثل هذه الاستراتيجة وضمان تنفيذها أصبح ضرورة من أجل مساعدة الدولة على النهوض في أسرع وقت، ويظل الرهان الحقيقي هو مدى ترجمة تلك الرؤى والتطلعات على أرض الواقع وأن يشعر بها المواطن، فيظل المواطن هو المؤشر والمقياس الحقيقي لتقييم تجربة التنمية، وليست المؤشرات العالمية فحسب.
قد لا تتاح لمجموعة متجاورة من البلدان في العالم ما يتاح للبلدان العربية من مقومات التعاون والتكامل، ففي الوقت الذي تسعى فيه بلدان العالم قاطبة، حتى المتقدمة منها، إلى الانضمام إلى كيانات كبيرة لا تزال البلدان العربية تواجه التحديات الخارجية في ظل مخاطرها الجسيمة بشكل منفرد، هذا ولم تستطع أي دولة عربية الانطلاق بمفردها في مشروع تاريخي للنهضة يقوم على أساس من المنهجية العلمية، التي هي معيار التقدم في هذا العصر، فلا دول الخليج بالوفرة المالية الهائلة، ولا مصر بالقدرة البشرية الضخمة والطاقة التي تؤهلها لتصدّر باقي البلدان العربية في الإنتاجية المعرفية قادرة وحدها على هذا الإنجاز التاريخي([106]).
وانطلاقًا من أهمية التكامل والذي يدعمه ما أكدته أهداف التنمية المستدامة عالميًا الصادرة عن الأمم المتحدة في متن هدفها الـ 17، والذي ينص على “عقد الشراكات العالمية من أجل تحقيق الأهداف”، وذلك نظرًا للطابع المتكامل لأهداف التنمية المستدامة، والذي تتداخل فيه الأهداف بطريقة قطرية معقدة، مما يعد داعيًا لأن تنفذ الدولتان أهداف التنمية المستدامة بشكل تشاركي شرط ألا تؤدي الاتفاقات الجزئية إلى تكريس الانطواء على الذات الوطنية وطمس الهوية العربية الجامعة.
وسنستعرض في هذا المحور رؤيتنا من أجل تفعيل سبل وآليات التكامل بين رؤية الكويت 2035، ورؤية مصر 2030، وفي هذا الصدد وقبل البدء في رفع الآليات والتوصيات التي نبني عليها أطروحتنا سنحدد مجالات التكامل ذات الأولوية بالارتكاز على ما استعرضناه في المحور السابق لأهداف التنمية المستدامة عالميًا، ومن بعدها رؤية الكويت 2035، ورؤية مصر 2030. ويمكن تحديد مجالات التكامل ذات الأولوية وفقًا للشكل التالي:
شكل (5) مصفوفة أولويات التنمية المستدامة
المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على رؤى التنمية المستدامة (العالمية، الكويتية، المصرية)
سيتم عرض آليات تكامل “رؤية الكويت 2035″ و”رؤية مصر 2030” وفقًا للمجالات التي تم تحديدها في الجزء السابق، وذلك على النحو التالي:
ينقسم التكامل في التعليم إلى مسارين رئيسيين، هما: التعليم العام، والتعليم الجامعي والبحث العلمي كما يلي:
1- التكامل في التعليم العام
إزاء وحدة اللغة بين مصر والكويت يوفر مجال التعليم مساحة هامة للتعاون بين البلدين، خاصة في إعداد المناهج والكتب وتقييم نتائج التعليم، وهذا النوع من التعاون يسهم في تخفيض تكلفة إصلاح التعليم وإتاحة مجال لوجود عوامل مشتركة تحقق معدلات متقدمة من خلال تبادل التجارب والتشارك في الموارد، هذا وسنقدم توصيات التعليم العام بالتركيز على إثراء مكونات العملية التعليمية الثلاث: المناهج، المعلم، الأبنية والمرافق التعليمية، وفيما يلي عدد من المقترحات في هذا الصدد:
وتقبل الجامعة الطلاب المتفوقين من أوائل الثانوية العامة في مصر والكويت وبعض الدول العربية الأخرى، ويتم التعاقد مع أساتذة وعلماء من كامل الوطن العربي، ومن شتى دول العالم من أجل التدريس في الجامعة والاستفادة من خبراتهم، وتقديم الدعم المادي واللوجستي الكامل لهذه الجامعة، بخلاف المبتعثين الذين يذهبون إلى أوروبا وأمريكا للحصول على شهادات التخصّص، ويفضل قسم كبير منهم البقاء في تلك البلدان فلا يعود لوطنه، وينضم هؤلاء لملايين العقول والقدرات العربية التي هاجرت إلى الخارج.
وفي نهاية المرحلة الأولى تكون الجامعة قادرة على أن تتحول إلى “مدينة علمية تقنية” (كمرحلة ثانية)، وتشمل المجمعات كليات علمية تقنية في المجالات التكنولوجية والهندسية والميكانيكية والكيميائية والكهربائية والجيولوجية والتعدينية والدعم الطبي الفني.. إلخ. وتدار تلك المدينة بمجلس أمناء يشكل من نخبة من الكفاءات العلمية المصرية الكويتية، بالإضافة إلى ممثلين عن مؤسسات عالمية متخصصة من دول لها باع في هذا المجال، مثل: ألمانيا واليابان وأميركا وكوريا الجنوبية وغيرها، ويستعان بهم في إدارة وتشغيل هذه الكليات، وتكون مهمة هذه المؤسسات العلمية الأجنبية إدارة العملية التعليمية وإعداد مناهجها وتقييم مدرسيها، وتزود هذه المدن بالمعامل العلمية والورش والمختبرات اللازمة، كما توفر أيضًا منطقة سكنية على مستوى جيد، وعيادات ومرافق رياضية وترفيهية، كما تزود كل كلية من كليات الجامعة ببرامج للدراسات العليا النوعية التي تكون مرتبطة بمجالها.
ج- أما فيما يخص التكامل في البحث العلمي تشير المؤشرات الدولية إلى واقع مؤسف فيما يتعلق بمخصصات البحث العلمي والتطوير التقني في البلدان العربية، ففي الكويت لم تتعدَ نسبة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التقني 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت في مصر 0.2%، وعند المقارنة مع نسبة الإنفاق في إسرائيل البالغة 4.3%، وكوريا الجنوبية البالغة 3%، مع أخذ حجم الناتج المحلي الإجمالي في الاعتبار، تدلّ على تأخر عربي كبير في هذا المجال([107]) .
وليس غريبًا أن تتدنى مؤشرات نتائج البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في البلدان العربية. وفيما يتصل بالنشر، يقل عدد الأبحاث المنشورة من مصر، أكثر البلدان العربية إنتاجًا، عن نصف الأبحاث المنشورة من إيران، وعن ثلث الأبحاث المنشورة من إسرائيل، وعن ربع الأبحاث المنشورة من تركيا، وعن تُسع الأبحاث التي تنشرها كوريا أو الهند، ولا مجال للمقارنة مع الصين، إذ تصبح النسبة دون 3% وإن بدت المقارنة أفضل نسبيًا لصالح مصر، عند أخذ عدد السكان في الاعتبار. والصورة التي يكشف عنها مؤشر براءات الاختراع ليست أكثر إشراقًا، حيث يقل ناتج مصر، البلد العربي الأول وفقًاً لهذا المؤشر، عن نصف ناتج إسرائيل، ورُبع ناتج تركيا، وأقل من عُشر ناتج كوريا([108]) .وانطلاقًا من هذه المؤشرات والأرقام يمكن أن نطرح النقاط التالية:
خصصت كل من مصر والكويت محورًا مستقلًا للرعاية الصحية في رؤيتهما، وذلك إيمانًا منهما بأهمية القطاع الصحي في تحقيق التنمية المستدامة، وبعد استعراضنا لرؤيتا التنمية المستدامة في البلدين يمكن عرض الآليات التالية:
يتم إنشاء المنطقة الصناعية الكويتية في مصر بالقرب من محور قناة السويس، أو جزء من مدينة صناعية قائمة يخصص للشركات الكويتية، بحيث تنقل تلك الشركات المواد الأولية ونصف المصنعة إلى المنطقة الصناعية الكويتية في مصر وتصدر منها لإفريقيا وأوروبا للاستفادة من مزايا النقل عبر قناة السويس والاتفاقيات المصرية الأورومتوسطية والإفريقية (تدعيم تراكمات المنشأ).
وبالمثل يتم إنشاء المنطقة الصناعية المصرية في الكويت، وتقوم الشركات المصرية بالتصنيع فيها وفق نسبة الملكية التي ينص عليها القانون الكويتي، وهي بذلك تستفيد من مزايا التصدير لدول الخليج نظرًا للاتفاقيات المبرمة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتستفيد من عامل القرب من دول شرق وجنوب آسيا، وهي أسواق ضخمة جدًا، هذا ولا بدَّ من تقديم عدد من الحوافز والمغريات التي تجذب المستثمرين لكلا المنطقتين الصناعيتين، ومنح تسهيلات لتيسير تنقلهم في كلا البلدين هم وأسرهم، وتوفير ضمانات لتسوية النزاعات.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجب مراعاة القرب الجغرافي بين المناطق الصناعية في كلا الدولتين مع فروع الجامعة المصرية الكويتية المستهدفة -سالفة الذكر في التكامل في التعليم العالي- بحيث تشكل تلك الجامعات ظهيرًا علميًا داعمًا لتلك المناطق من خلال آليات البحوث العلمية والتطوير التقني والمعامل والمختبرات ووسائل التكنولوجيا والابتكار، وأن تمثل المناطق الصناعية ميدانًا تدريبًا عمليًا لإكساب الطلاب الخبرات العملية على أرض الواقع، كما بالشكل التالي:
شكل رقم (6)
وبذلك يمكن أن نلاحظ التحول الذي سيحدث على الخريطة الاستثمارية المصرية-الكويتية، والتي ستكون بمثابة الظهير الداعم لرؤية التنمية في البلدين والمشروعات القومية بهما، مثل: العاصمة الإدارية الجديدة ومحور قناة السويس والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة في مصر، ومشروعات ميناء مبارك الكبير وطريق الحرير ومشروع محطة الزور الشمالية لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، وأخيرًا مشروع شركة المستودعات العامة والمنافذ الحدودية في منطقة العبدلي وغيرها من المشروعات الهامة بالكويت.
يسهل تكوين سلاسل إنتاجية إقليمية بين مصر والكويت (ومن الممكن دخول أي طرف عربي ثالث معهم وفقًا لمدى احتياج السلسة لأي محطة إضافية لخلق القيمة) من الاستفادة من الميزات التنافسية أو المالية أو الطبيعية لمصر والكويت ولبلدان المنطقة لتطوير أنشطة اقتصادية جديدة والخروج من هيمنة الأنشطة الاستخراجية والأولية على هيكل الناتج المحلي والصادرات العربية، بما يؤدي إلى اقتناص الفرص الاستثمارية الهامة؛ ومن ثمَّ الاستفادة من مصادر مهمة لخلق الثروة وتدعيم القدرات التشغيلية، كما يمكن الاستفادة من سلاسل الإنتاج المصرية الكويتية لدخول أسواق جديدة من خلال تدعيم تراكمات المنشأ في اتفاقيات التجارة الحرة مع باقي دول العالم، وتسهم هذه السلاسل في تطوير الصادرات العربية البينية والعالمية.
ولعل أهم ما يدعم التكامل في تكوين سلاسل إنتاجية إقليمية مصرية كويتية هو ما تتميز به الدولتان من منافذ بحرية وإمكانيات طبيعية، حيث تمثل الكويت أحد أهم مداخل التجارة إلى دول الخليج العربية، فموقع دولة الكويت المحوري في منطقة الخليج يجعلها منفذًا مهمًا للصادرات المصرية إليها وإلى دول المنطقة، كما أن مركز مصر الوسيط في إقليم عربي كبير يمتلك المقومات اللازمة لتحقيق التكامل الاقتصادي، بالإضافة إلى دور قناة السويس التي تعد شريانًا حيويًا للدول الخليجية ومن ضمنها دولة الكويت، نتيجة مرور ثلثي إنتاج هذه الدول من البترول عبرها، ومن ثمَّ تعد ممرًا هامًا لتجارة الكويت مع دول شمال إفريقيا وقارة أوروبا.
3- إنشاء شركة مصرية كويتية للنقل البحري، خاصة لنقل الغاز والبترول تستفيد بمزايا لوجستية عند مرورها من قناة السويس والممرات والموانئ المصرية والكويتية.
تتمتع مصر والكويت بمصادر هائلة من الطاقة المتجددة لا سيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وبالرغم من ذلك فإن الاستثمار التجاري لهذه المصادر ما زال محدودًا جدًا، وكذلك على صعيد الوطن العربي، حيث تبلغ نسبة مساهمة هذه المصادر في الطاقة الكهربائية 0.2% من الطاقة الكهربائية المنتجة، وعلى الرغم من وجود سوابق تكاملية في مجالات تعاون متعددة للطاقة على المستوى العربي، منها على سبيل المثال مشاريع الربط كهربائي الكبرى في الوطن العربي([109])، وهي:
إلا أن هذه المشروعات قد حدث بها بعض التوقفات والمشاكل على فترات زمنية نتيجة للمشاكل والثورات والحروب التي مرت بعدد من دول المجموعة في الفترات الأخيرة؛ لذا يقترح إعادة تفعيل تلك المشروعات مع ربطها مع بعضها إن توافرت الإمكانية لذلك، من أجل تكوين شبكة عربية موحدة، وذلك للاستفادة من كبر مساحة الوطن العربي واختلاف أوقات الذروة فيه.
لكن ليس ما يعنينا بالمقام الأول هو التكامل في مشاريع الربط الكهربائي، ولكن ما نود أن نؤكده هو ضرورة تضافر قوى الدولتين إلى جانب تقوية البحث العلمي لتوجيه جزء من الاستثمار المشترك إلى إقامة مشروعات عملاقة على مستوى استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وإنشاء ودعم قسم خاص بالطاقة المتجددة وتحلية المياه في كليات العلوم على صعيد مصر والكويت، وإجراء المزيد من البحث العلمي لتطوير تقنيات وآليات نظيفة لاستخدام الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر.
يكمن سبب طرح التعاون في الإنتاج الزراعي بين مصر والكويت في توفير الأمن الغذائي الذي يعد من أهم التحديات التي تواجه الوطن العربي كافة، وتعتبر الحبوب خاصة القمح والسكر والزيوت النباتية من أهم المنتجات التي يرتكز عليها الغذاء في المنطقة العربية، وبالرغم من الإمكانات الطبيعية الهائلة التي يختزنها العديد من الدول العربية تستورد المنطقة حوالي نصف احتياجاتها من الحبوب، و63% من الزيوت النباتية، و71% من السكر([110]).
ويعد الإنتاج الزراعي أحد أوجه التكامل في سلسلة الإنتاج غير المستغلة، وذلك على الرغم من افتقاد أي دولة عربية لامتلاك مقومات الإنتاج الزراعي مكتملة، فبعضها يعاني من ندرة الموارد المالية، والبعض الآخر يشكو من ضعف القدرات الصناعية أو البنية التحتية اللازمة لتصدير بعض المنتجات؛ لذا فإن الحلول على المستوى الإقليمي دائمًا ما تكون أكثر فاعلية وجدوى من الحلول التي يمكن أن تعتمدها البلدان منفردة.
يطرح نموذج التكامل الثلاثي فكرة تشجيع التعاون الزراعي الإقليمي بين مصر والكويت والأطراف ذات الصلة، فمصر تمتلك الخبرات المتراكمة في مجال الاستصلاح الزراعي ورفع إنتاجية الفدان، ولعل المشروعات القومية، مثل: ترعة الشيخ جابر، ومشروع شرق العوينات، أمثلة للأهمية التي نوليها لدفع الاستثمار لزيادة الإنتاج الزراعي والغذائي؛ ولذا فإن الشراكة المصرية الكويتية تمثل مجالًا هامًا للتعاون الزراعي يمكن استغلالها في إنشاء النموذج الثلاثي عبر تمويل الصندوق الكويتي لمشروعات زراعية عملاقة بالتعاون مع الخبرات المصرية في مجال الزراعة في السودان والدول الإفريقية ذات الوفرة في الأرض الزراعية الخصبة والموارد المائية المتاحة.
كما يشمل نموذج التعاون الثلاثي إنشاء نموذج للتعاون في الزراعة يقضي باستخدام مياه النيل في إحدى دول حوض النيل لزراعة القمح والنخيل والحمضيات والبرسيم، إضافة إلى إقامة محجر صحي للماشية، إلى جانب مشاريع إنشاء السدود الصغيرة وتنمية الموارد المائية.
وفيما يلي عدد من الآليات التي قد تساعد في تحقيق التكامل في هذا القطاع الحيوي، مثل:
يعد حجم التجارة الكبير بين مصر والكويت حافزًا قويًا من أجل بذل المزيد من الجهد في سبيل تحقيق التكامل في التبادل التجاري بين البلدين، الذي قدُر من ضمن أعلى معدلات التجارة البينية العربية، وتعد الكويت ثالث أكبر شريك تجاري لمصر في العالم العربي بعد دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية([111])، ولتحقيق المزيد من التكامل يقترح الآتي:
لا بدَّ أن تدفع جهود كلا الدولتين إلى تكثيف الاهتمام العربي الرسمي بمشروع التكامل بين الدول العربية عبر ربطها بشبكات السكك الحديدية الدولية أو بالطرق الدولية أو خطوط النقل البحري والجوي الدولية، والتحرك الجدي لوزراء نقل مصر والكويت نحو ذلك كونها الشرايين الحيوية التي من شأنها تسهيل انتقال الأشخاص والخدمات والبضائع بين الدول، وتعود بفوائد اقتصادية واجتماعية عديدة على دول العالم العربي وليس على مستوى مصر والكويت فقط، وذلك لأهمية دور السكك الحديدية في النمو الاقتصادي القطري والإقليمي، فالمنطقة العربية واحدة من مناطق قليلة جدًا لا تملك مثل هذا النوع من الربط فعليًا بين دولها.
أصبحت خدمة التعهيد “Outsourcing” من أهم أفرع صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في العالم، نظرًا لاعتمادها في المقام الأول على الكفاءات والقوى البشرية والوسائل والخدمات من قبل المؤسسات، ومعناها أن يلجأ طرف إلى طرف آخر في مكان آخر يتمتع بميزة نسبية من أجل تقديم الخدمات بدلًا منه مقابل مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه.
وقد أصبحت مصر إحدى أكبر الدول التي تتصدر فيها تلك الصناعة عالميًا؛ اعتمادًا على عدة عوامل تنافسية تكمن في الموقع الجغرافي المميز والرخص النسبي في التكلفة لتلك الصناعة من حيث الأجور والبنية الأساسية، إلى جانب شباب على كفاءة عالية يجيدون أغلب اللغات الأجنبية، ومؤهلين بقدر كبير للتعامل مع نظم المعلومات، خاصة في ظل المنح التدريبية التي توفرها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإعداد الخريجين لسوق العمل(([112].
وفي تقرير نشرته مجلة “PULSE” الصادرة عن “الجمعية الدولية للمحترفين في مجال التعهيد (IAOP®)”، والذي جاء تحت عنوان “مصر تغيّر نظرة العالم لها -من أرض التاريخ إلى دولة ذات ميزة تنافسية”، أوضح أن 170 ألف موظف في مصر يقدمون خدمات التكنولوجيا والتعهيد لأكثر من 100 دولة في مختلف دول العالم بأكثر من 20 لغة. يذكر أن مصر قد حصدت المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا في مؤشر جاذبية الدول المقدمة لخدمات التعهيد العالمية لعام 2017 والصادر عن مؤسسة “إيه تي كيرني”، في حين أطلقت “الجمعية الألمانية للتعهيد” دليل مصر وحدثته كمقصد لخدمات التعهيد بالتعاون مع هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “ايتيدا”([113]).
إن تحرير تجارة الخدمات بين مصر والكويت من خلال الإمداد الخارجي والتعهيد outsourcing وما سيترتب عليه من تحسن في جودة الخدمات وتخفيض تكلفتها، سيكون دافعًا مهمًًا لتعزيز التجارة البينية بين البلدين.
لا بدَّ من استغلال المقومات الطبيعية التي تتمتع بها مصر والكويت من شواطئ وجبال وصحاري، والاعتماد على تلك المقومات عند التخطيط السياحي في الدعاية السياحية خارجيًا، بالإضافة إلى تنفيذ عدد من الإصلاحات الداخلية والأفكار المشجعة للسياحة، مثل:
الاعتماد على الذات في التطوير المؤسسي والتحول الرقمي أمر هام للغاية، وهذا يتطلب الالتزام ببناء القدرات الوطنية في جهود ومشاريع التنمية، وكانت سياسة التكامل الرقمي شبه غائبة في المنطقة العربية، وفي إطار التعاون بين مصر والكويت في مجال التطوير الحكومي والتكامل الرقمي يقترح الآتي:
وذلك من خلال برنامج للتعاون بين وزارة التخطيط والإصلاح الإداري والمتابعة في مصر، والأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية في الكويت، وأن تعمل على مسارين:
أما فيما يتعلق بالتحول الرقمي ساهمت شبكة الإنترنت وبرمجيات تصفح المعلومات في نمو صناعة المحتوى الرقمي، ويبرز التلاقي بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من جهة وتكنولوجيا الإعلام من جهة أخرى في زيادة نمو صناعة المحتوى الرقمي وتعظيم أثرها الاقتصادي والاجتماعي، ويقترح تضافر وتوحيد الجهود في صناعة المحتوى الرقمي في المجالات التالية:
هذا وتعد عملية ربط أنظمة القوى العاملة بين مصر والكويت إلكترونيًا خطوة جيدة وهامة على طريق التكامل في هذا الصدد.
الربط الإلكتروني لأنظمة القوى العاملة بين مصر والكويت.. خطوة هامة على طريق التكامل الرقمي([114]).
صدر في شهر مايو 2019 مرسوم أميري كويتي بالموافقة على مذكرة التفاهم بين الحكومتين المصرية والكويتية بشأن ربط أنظمة القوى العاملة بين البلدين إلكترونيًا، ونصت المذكرة على تشكيل اللجنة الفنية المصرية الكويتية المشتركة، وستوفر وزارة القوى العاملة في مصر، بموجب مذكرة التفاهم، العمالة القادرة على العمل وفقًا للمهن المطلوبة، والتي لديها الخبرة المناسبة مع فرصة العمل المعروضة من صاحب العمل، وطبقًا للاختبارات التي تتم، كما تنص المذكرة على تزويد منافذ الخروج التابعة لكل طرف بأسماء العاملين الذين سيعبرون الحدود إلى الطرف الآخر. يشار إلى أن منظومة الربط الإلكتروني بين وزارة القوى العاملة المصرية ووزارة الشؤون الاقتصادية الكويتية ستضمن جودة العمالة الفنية المطلوبة، وتحد من العمالة الهامشية لصالح استقدام عمالة مصرية يحتاجها سوق العمل الكويتي. |
يرتكز التكامل في حماية البيئة بين مصر والكويت على الربط بن التوجهين الاستراتيجيين: حماية البيئة، وآليات البحث العلمي، بحيث يساهم البحث العلمي في التغلب على المشكلات البيئية في المنطقة ومواجهة مشكلات نقص المياه من خلال دعم تطبيقات واكتشاف أصناف المحاصيل الموفرة للمياه والقادرة على تحمل الملوحة، ونشرها وتطوير أساليب الري والتخصيب المناسبة، ومواجهة مشكلات التلوث البيئي وتغيّر المناخ من خلال إنشاء نموذج أو أكثر للمدن صديقة البيئة، كما يلي:
العمل على إنشاء أكثر من نموذج للمدن الخالية من الكربون أو صديقة البيئة، على غرار مدينة مصدر الإماراتية والتي تعد نموذجًا متكاملًا لما يجب أن يكون عليه المجتمع الأخضر الخالي من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضارة([115])، وأن تشمل المدينة ما يلي:
ومن مجمل مسارات التكامل المقترحة نجد أن تلك المسارات تشكل قوة دفع تساهم بشكل فعّال في رفع أسهم كلا البلدين على خريطة الاقتصاد والسياسة، كما ينبثق التكامل بين مصر والكويت في تكوين المكانة الدولية لهما من التنسيق السياسي الجيد، والذي لا يتوقف على توحيد المواقف فيما يتعلق بالقضايا المصيرية للبلدين أو للأمة وقضايا التحرر من النفوذ الأجنبي، بل يتعداه ليشمل التنسيق الوثيق في المؤتمرات العالمية، كتلك المتعلقة بالبيئة والمرأة والتنمية والتجارة، فمما لا شك فيه أن قيام التكتلات والثنائيات التكاملية يكون في المقام الأول لخلق المكانة الدولية وشغل حيز أكبر من المحيط الإقليمي، وفيما يلي عدد من المقترحات التي قد تفيد في هذا الصدد:
1- ضرورة العمل على توثيق الصلات بالقوى والتكتلات الصاعدة الجديدة، مثل: الصين والهند والبرازيل وتركيا وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية، وتوسيع مجال الحركة والاستقلالية أمام السياسة الخارجية وزيادة وتنويع الشركاء على المستوى الدولي.
2- دعم مؤسسات التفكير الاستراتيجي، وتعزيز أدوار مراكز الدراسات والبحوث، والتفكير في تأسيس ملتقى للحوار الاستراتيجي المصري الكويتي يقوم على إدارة حوارات استراتيجية وإنضاج الخيال السياسي وإخصاب الأفكار التي تساعد صنّاع القرار من أجل تبوؤ المكانة التي تليق بكلا البلدين في منطقتهما.
وزارة التخطيط والمتابعة والتطوير الإداري المصرية، استراتيجية التنمية المستدامة.. رؤية مصر 2030 (مصر: وزارة التخطيط والمتابعة والتطوير الإداري، 2019) الرابط: https://bit.ly/30j2vRw.